للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن بطرق متعددة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وأيقظها من مضجعها وأمرهما بصلاة التهجد مؤكدا، فقال الأمير: والله ما نصلي إلا ما كتب الله علينا أي الصلاة المفروضة، وإنما أنفسنا بيد الله، يعني لو وفقنا الله لصلاة التهجد لصلينا. فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يضرب على فخذيه ويقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} فقد رد الأمير قول الرسول، ولكن لما كانت القرائن الحالية دالة على صدق الأمير واستقامته لم يلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى البخاري أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تصالح مع قريش في الحديبية كتب الأمير كتاب الصلح وزاد لفظ «رسول الله» فامتنع الكفار عن قبوله وقالوا: لو سلمنا بهذا اللقب لما حاربناه وصددناه عن طواف البيت، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أن يمحو هذا اللفظ وأكد ذلك، فلم يمحه الأمير لكمال الإيمان وخالف الرسول في ذلك حتى محاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده الشريفة. وقد ثبتت مخالفة الأمير أيضا في كتبهم، فقد روى محمد بن بابويه في (الأمالي) والديلمي (١) في (إرشاد القلوب) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال: أعطيها عليا ومريه أن يشتري لأهل بيته طعاما فقد غلب عليهم الجوع، فأعطتها عليا وقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرك أن تبتاع لنا طعاما. فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاما لأهل بيته فسمع رجلا يقول: من يقرض الملي الوفي؟ فأعطاه درهم. (٢) فقد خالف قول الرسول، وتصرف في مال الغير.

ومع ذلك فأهل السنة لا يطعنون على الأمير بمثل هذه المخالفات، بل لا يعدون ذلك مخالفة. فكيف يطعنون على عمر بما هو أخف منها. (٣)

وأما قولهم إن أقوال الرسول كلها وحي فمردود، لأن أقواله - صلى الله عليه وسلم - لو كانت كلها وحيا فلم قال الله تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم} وقال تعالى {ولا تكن للخائنين خصيما} وقال تعالى {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} وقال تعالى في المعاتبة عن أخذ الفدية من أسارى بدر (٤) {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} وأيضا يلزمهم أن الأمير أيضا قد رد


(١) هو أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي، قال عنه الحر العاملي: «كان فاضلا محدثا صالحا»
(٢) الأمالي: ص ٤٧٠؛ إرشاد القلوب: ٢/ ٢٢١؛ الفتال، روضة الواعظين: ١/ ١٢٦.
(٣) وهو التخفيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة مرضه
(٤) أخرج مسلم في قصة أسارى بدر عن عمر بن الخطاب قال: «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان - نسيبا لعمر - فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} فأحل الله الغنيمة لهم». صحيح مسلم: ٣/ ١٣٨٥، رقم ١٧٦٢.