للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوحي حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتهجد ومحو اللفظ وابتياع الطعام مع أنهم لا يقولون بذلك.

الثاني من وجوه الطعن أنه قال «أهجر» مع أن الأنبياء معصومون من هذه الأمور فأقوالهم وأفعالهم في جميع الأحوال والأوقات كلها معتبرة وحقيقة بالاتباع.

والجواب عن هذا أنه من أين يثبت أن قائل هذا القول عمر؟ مع أنه قد وقع في أكثر الروايات «قالوا» بصيغة الجمع «استفهموه» على طريق الإنكار، فإن النبي لا يتكلم بالهذيان البتة وكانوا يعلمون أنه - صلى الله عليه وسلم - ما خط قط بل كان يمتنع صدور هذه الصنعة منه - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك} ولذا قالوا فاسئلوه. وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهم، وهو على قسمين: قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته - صلى الله عليه وسلم -. والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر. وهذا القسم وإن كان ناشئا من العوارض البدنية ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول؛ يعني أن هذا الكلام خلاف عادته - صلى الله عليه وسلم - فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته، فلا إشكال. (١)

الثالث من وجوه الطعن أنه رفع الصوت وتنازع في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى {يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}. (٢)

والجواب أنه من أين يثبت أن عمر أول من رفع الصوت؟ وعلى تقديره فرفع صوته إنما كان على صوت غيره من الحاضرين لا على صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - المنهي عنه في الآية، والأول جائز والآية تدل عليه حيث قال {كجهر بعضكم لبعض}، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الروايات «قوموا عني» من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره، وما يصدر


(١) قال ابن حجر: «قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده , فكأنه قال: إن ذلك يؤذيه ويفضي في العادة إلى ما ذكر , ويحتمل أن يكون قوله أهجر فعلا ماضيا من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي الحياة , وذكره بلفظ الماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت». فتح الباري: ٨/ ١٣٣.
(٢) نهج الحق: ص ٣٣٣؛ اليقين: ص ٥٢٢.