للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من المريض في حق أحد لا يكون محلا للطعن عليه، مع أن الخطاب كان لجميع الحاضرين المجوزين والمانعين.

الرابع من أوجه الطعن أنه أتلف حق الأمة، إذ لو كتب الكتاب المذكور لحفظت الأمة من الضلالة ولم ترهم في كل واد يهيمون، ووبال جميع ذلك على عمر. (١)

والجواب أنه إنما يتحقق الإتلاف لو حدث حكم من الله تعالى نافع للأمة ومنعه عمر. وقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} الاية تدل على عدم الحدوث، بل لم يكن الكتاب إلا لمصالح الملك وتأكيد ما بلغه، وإلا فلا يتصور منه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول أو يكتب في هذا الوقت الضيق ما لم يكن قاله قط مع أن زمن نبوته امتد ثلاثا وعشرين سنة. وكيف يمتنع عن ذلك بمجرد منع عمر، ولم يقله لأحد بعد ذلك مع عدم وجود عمر. فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد عاش بعد ذلك خمسة أيام باتفاق الفريقين. (٢)

فإن قيل: لو لم يكن ما يكتب أمرا دينيا فلم قال «لن تضلوا بعدي»؟ قلنا: للضلال معان، والمراد ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم، وتجهيز جيش أسامة منه، لا الضلالة والغواية عن الدين. فقد تبين لك بطلان ما طعنوا به، وأظهر لك فساده وقبيح كذبه. والحمد لله رب العالمين. (٣)


(١) نهج الحق: ص ٣٣٢.
(٢) قال الخطابي: «لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه، وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا». فتح الباري: ٨/ ١٣٤
(٣) وقد نبه السيد الحاج عمر نائب القضاء للدولة العثمانية في مدينة بغداد عند طبع هذا المختصر في الهند سنة ١٣١٥ على أن جميع روايات هذا الحديث مروية عن ابن عباس، وأنه كان عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - صغير السن، ولذلك نقلت عنه الواقعة بألفاظ مختلفة.