للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها أن عمر قصد إحراق بيت سيدة النساء، وضربها على جنبها الشريف بقبضة سيفه حتى وضعت حملها بسبب ذلك. (١)

والجواب أن هذه القصة محض هذيان وزور من القول وبهتان. ولذا قد أنكر صحتها أكثر الإمامية وأن روايتها عندهم غير صحيحة ولا مرضية. (٢) مع أن فعل عمر هذا لو فرض وقوعه فهو أقل مما فعله الأمير كرم الله تعالى وجهه مع أم المؤمنين عائشة الصديقة، مع أنه لم يلحقه طعن من ذلك عند الفريقين بناء على حفظ الانتظام في أمور الدنيا والدين:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا (٣)

ومنها أن عمر أنكر موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحلف أنه لم يمت، حتى قرأ أبو بكر قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون}. (٤)

والجواب أن ذلك من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له - صلى الله عليه وسلم - حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشيء، وكثيرا ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد، لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية. ألا ترى أن يوشع - مع كونه نبيا معصوما - نسي أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل. بل إن موسى - عليه السلام - مع كونه من أولي العزم - قد نسي معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات. وقال تعالى في حق آدم {فنسي ولم نجد له عزما}

وقد روى أبو جعفر الطوسي عن عبيد الله الحلبي (٥) أن الإمام أبا عبد الله - عليه السلام - كان يسهو في صلاته ويقول في سجدتي السهو «بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآله وسلم» (٦) فأي ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الأمر العظيم وأي طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه - صلى الله عليه وسلم -؟ فتبا لكم أيها الفرقة الضالة فقد نال الشيطان من عقولكم حتى صرتم شياطين أمثاله.

ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التي هي شرط في الإمامة والخلافة؛ كأمره برجم الحامل من الزنا، فرده الأمير وقال له: إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها، فندم حينئذ وقال: «لولا علي لهلك عمر.» (٧) وكما أراد رجم أمرأة مجنونة


(١) هذه القصة ثابتة عند الإمامية وتقول بأن عمر بن الخطاب أراد أن يحرق بيت فاطمة - رضي الله عنها -، وكان في البيت علي والحسن والحسين - رضي الله عنهم -، ولم يحرك علي - رضي الله عنه - ساكنا بل أخذ مربوطا من رقبته - وفق رواية الإمامية - بحبل أسود كي يبايع أبا بكر الصديق، والذي اشترك في هذه العملية ضده هم خيار الصحابة وكان يترأسهم بزعمهم عمر بن الخطاب، والرواية طويلة ينظر تفاصيها عند المفيد، الاختصاص: ص ١٨٥؛ الطبرسي، الاحتجاج: ص ٨٣؛ ابن أبي الحديد في شرحه: ٢/ ١٩؛ العياشي في تفسيره: ٢/ ٣٠٧؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٥٣/ ١٨. وغيرهم.
(٢) لأن الرواية تطعن بالأمير بأنه جبان تخاذل في الدفاع عن حرمة أهله - حاشاه من ذلك - فهي لا تطعن بعمر فقط بل بعلي أيضا.
(٣) ديوان الشافعي
(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٢/ ١٩٧.
(٥) في الأصل عبد الله
(٦) الطوسي، تهذيب الأحكام: ٢/ ١٩٦؛ الكليني، الكافي: ٣/ ٣٥٦
(٧) لا يصح فليس له سند في كتب أهل السنة: أخرجه ابن قتيبة وابن عبد البر بلا سند، ومع ذلك ذكرها الإمامية كثيرا.