للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرده الأمير بقوله - صلى الله عليه وسلم - «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق»، وكإتمامه عدد الضربات في حد ابنه أبي شحمة بعد أن مات في أثناء الحد، مع أن الميت غير معقول، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم.

والجواب عن الأول أن عمر - رضي الله عنه - لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه، والأمير كان مطلعا على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة، بل ولا في النبوة. ألا ترى أن موسى - عليه السلام - أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع أنه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار»، (١) وقد روي عند الفريقين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا بإقامة الحد على امرأة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أحسنت، دعها حتى ينقطع دمها» (٢) فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية. وعن الثاني أن عمر - رضي الله عنه - لم يكن واقفا على جنونها أيضا، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوا بها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت، فقادوها للرجم، فإذا علي لاقاهم في الطريق فسألهم: أين تذهبون بهذه المرأة؟ فقالوا: إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده، فأخذها الأمير من أيديهم وجاء بها إلى عمر وقال: هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي، وقال «رفع القلم عن المجنون حتى يفيق» فمنع عمر من رجمها. (٣) فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم، ولكن لم يكن له علم بجنونها.

وعن الثالث: بأنه كذب وبهتان ولم يصح عند الفريقين، بل الثابت في الروايات الصحية أن المحدود بقى حيا بعد الحد، نعم قد غشي عليه أثناء الحد، ولذا توهم الناس موته. (٤)

وعن الرابع أن عدم العلم بشيء لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلا للطعن، لأن العلم تابع المعلوم، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - معينا ومقررا، بل كانوا يضربون


(١) متفق عليه
(٢) أخرج أحمد عن علي - رضي الله عنه -: «إن خادما للنبي - صلى الله عليه وسلم - أحدثت فأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقيم عليها الحد، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته، فقال: إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» ورواه أبو داود والنسائي؛ ومن الإمامية ابن حيوان، دعائم الإسلام: ٢/ ٤٥٣؛ النوري، مستدرك وسائل الشيعة: ١٨/ ١٧.
(٣) المسند: ١/ ١٤٠، رقم ١١٨٣؛ الحاكم، المستدرك: ٤/ ٤٣٠.
(٤) فالرواية الصحيحة عن ابن عمر أنه قال: «شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة ابن الحارث وهما بمصر في خلافة عمر، فسكرا فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله فذكر لي أخي أنه سكر فقلت: ادخل الدار أطهرك ولم أشعر أنهما أتيا عمروا فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو، فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن أبعث إلي بعبد الرحمن على قتب ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهرا صحيحا، ثم أصابه قدره فمات فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد.». أخرجها عبد الرزاق، المصنف: ٩/ ٢٣٢ - ٢٣٣.