للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشارب بالنعال والجرائد والأسواط، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة، (١) وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحدا ويشتمه، فارتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه، وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضا في (منهاج الكرامة) (٢) وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير اندفع الخامس.

هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطا للإمامة، بل ولا النبوة، فقد كانت توحى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأحكام الشرعية على حسب الوقائع، والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد، وربما يخطئ فيه، كما روى الترمذي عن عكرمة أن عليا أحرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: «لو كنت أنا لقتلتهم»، فبلغ ذلك عليا فقال: «صدق ابن عباس»، (٣) والله تعالى الهادي.

ومنها أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي أربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين. (٤)

والجواب أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له: أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلسا ونفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها - أى مخفيها تحت بطنه - ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. (٥) وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين؟ ولفظ «أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين» (٦) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب عليه


(١) روى البخاري عن أنس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين». كتاب الحدود، باب ضرب شارب الخمر
(٢) ونقله عنه ابنه المعروف عندهم بفخر المحققين فقال في حد شارب الخمر: «هو ثمانون جلدة، رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا». شرائع الإسلام: ٤/ ٣١٩.
(٣) سنن الترمذي كتاب الحدود، باب المرتد: ٤/ ٥٩ رقم ١٤٥٨.
(٤) المجلسي، بحار الأنوار: ٣٠/ ٦٥١؛ المشهدي، الصوارم المهرقة: ص ١٣٦.
(٥) تاريخ الطبري: ٢/ ٤٩٤؛ تاريخ اليعقوبي: ٢/ ١٤٦؛ ابن الجوزي، المنتظم: ٤/ ٢٣٢؛ البداية والنهاية: ٧/ ٨٢.
(٦) ليس في كتب أهل السنة بل في كتب الإمامية: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ١٢/ ٢٢٧؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٣٠/ ٦٤٨.