للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم موجب لهلاكه.

على أن عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم، (١) فقد روى ابن بابويه في (الفقيه) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - وأقر بالسرقة إقرارا موجبا للقطع، فلم يقطع يده، (٢) والله تعالى الهادي.

ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى {واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فقد خالف حكم الله تعالى. (٣)

والجواب أن فعل عمر موافق لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوي القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم (٤) كما كان ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعليه الحنفية (٥) وجمع كثير من الإمامية. (٦) وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم. (٧) والأمير أيضا عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوي والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال: سألت أبا جعفر محمد [بن علي] بن الحسين [بن علي بن أبي طالب] (٨): إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوي القربى؟ فقال: سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر. (٩) إلى غير ذلك من رواياتهم، فإذا كان فعل عمر موافقا لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمير كيف يكون محلا للطعن؟ ومن يضلل الله فلا هادي له، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والوله.

ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة، فإنها بدعة كما اعترف هو بذلك، وكل بدعة ضلالة. وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه». (١٠)

والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه - صلى الله عليه وسلم - صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال «إني خشيت أن تفرض عليكم» (١١) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - أحيى عمر هذه السنة السنية. (١٢) وقد ثبت في أصول الفريقين أن «الحكم إذا


(١) أي في ادعاء الخصوم.
(٢) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٦٢؛ وأخرجه أيضا الطوسي، تهذيب الأحكام: ١٠/ ١٢٧.
(٣) من المطاعن التي ألفها الحلي في نهج الحق: ص ٢٧٩.
(٤) يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «سمعت عليا يقول: ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر وحياة عمر، فأتي بمال فدعاني [أي عمر بن الخطاب] فقال: خذه، فقلت لا أريده: قال: خذه فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال». السنن، كتاب الخراج والإمارة، باب قسم الخمس، فكان عليا من يوزع الخمس في عهد الشيخين - رضي الله عنهم -.
(٥) ينظر السرخسي، المبسوط: ١٠/ ٨؛ شرح فتح القدير: ٥/ ٥٠٤.
(٦) الكيدري، إصباح الشيعة: ص ١٢٧؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: ٢/ ٧٩.
(٧) النووي، روضة الطالبين: ٢/ ٣٢٢؛ الشربيني، مغني المحتاج: ٣/ ٩٤
(٨) ما بين المعقوفتين زيادة من السيوف المشرقة
(٩) شرح معاني الآثار: ٣/ ٢٣٤؛ البيهقي، السنن الكبرى: ٦/ ٣٤٣.
(١٠) الحديث متفق عليه
(١١) أحمد والترمذي وابن ماجه
(١٢) فهي ليست بدعة لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلها.