للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضي الله عنه -. (١) وقوله - صلى الله عليه وسلم - «أصحابي أصحابي» لظن أنهم لم يرتدوا كما يؤذن به ما قيل في جوابه من أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. (٢)

فإن قلت: إن «رجالا» في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة.

أجيب: إن ما ورد في حقهم من الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمته الشيعة. أما الآيات فكقوله تعالى {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} وقوله تعالى {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} وقوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} وقال تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى. وأما الأحاديث فقوله - صلى الله عليه وسلم - «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (٣) وقوله - صلى الله عليه وسلم - «الله الله في أصحابي» (٤) الحديث، إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام، وأما أقوال الأئمة فقد مر لك شيء منها، ولا مساغ للتخصيص الذي يزعمه الشيعة بوجه من الوجوه.

ومنها أن كثيرا من الصحابة فر من الزحف في غزوتي أحد وحنين، والفرار من الزحف من أكبر الكبائر. (٥)

والجواب أن الفرار يوم أحد كان قبل النهي، ولئن قلنا كان بعده فهو معفو عنه بدليل قوله تعالى {ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} (٦) وأما الفرار يوم حنين فبعد تسليم أنه كان فرارا في الحقيقة معاتبا عليه، لم يصرّ عليه أولئك المخلصون بل انقلبوا وظفروا بدليل قوله تعالى


(١) قال الخطابي: «لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين». فتح الباري: ١١/ ٢٨٥.
(٢) قال النووي: «إن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وعدت بهم أن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم والثاني أن المراد من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد بعده فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وان لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه - صلى الله عليه وسلم - في حياته من إسلامهم فيقال: ارتدوا بعدك ... ». شرح النووي على صحيح مسلم: ٣/ ١٣٦
(٣) وضعه في السلسلة الضعيفة رقم ٥٨
(٤) أحمد والترمذي؛ ضعيف الجامع: ١١٦٠
(٥) نهج الحق: ص ٣١٧.
(٦) ينظر تفسير ابن كثير: ١/ ٤١٩.