للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع.

والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحة همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلا من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحوأب، (١) على أن «إياك أن تكوني يا حميراء» ليس موجودا في الكتب المعول عليها عند أهل السنة. (٢) فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد، على أنه لو كان فلا يرد محذورا أيضا لأنها اجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان، ولو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه. وليس في الحديث بعد هذا النهي أمر بشيء لتفعله، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة.

وأما طلحة والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه. أما طلحة فقد روى الحاكم (٣) عن ثور بن مجزأة أنه قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي: من أنت؟ قلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي فبايعني وقال: هذه بيعة علي، وفاضت نفسه. فأتيت عليا - رضي الله عنه - فأخبرته فقال: الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أبى الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه. (٤) وأما الزبير - رضي الله عنه - فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: لتقاتلن عليا وأنت له ظالم، فقال: لقد أذكرتني شيئا أنسانيه الدهر، لا جرم، لا أقاتلك أبدا، (٥) فخرج من العسكرين نادما وقتل بوادي السباع مظلوما قتله همرو بن جرموز. (٦) وقد ثبت عند الفريقين أنه (٧) جاء بسيفه واستاذن على الأمير كرم الله تعالى وجهه فلم يأذن له، فقال: أنا قاتل الزبير، فقال: أبقتل ابن صفية تفتخر؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «بشر قاتل ابن صفية بالنار». (٨)

وأما عدم قتله فلقيام الشبهة


(١) لم يثبت
(٢) ورد في كتاب (الإمامة والسياسية) المنسوب خطأ إلى ابن قتيبة
(٣) في المطبوع الحكم
(٤) الحاكم، المستدرك: ٢/ ٤٢١؛ البيهقي، الاعتقاد: ١/ ٣٧٣.
(٥) ابن حجر، الإصابة: ٢/ ٥٥٧.
(٦) قتل الزبير غدرا بوادي السباع. الإصابة: ٢/ ٥٥٧.
(٧) لما انتهى على من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الاثنين ١٢ من رجب، وأرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته، فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام واستشارهم فيما يطلب علي. فقالوا: لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان، أو يسلمهم إلينا. فرجع جرير إلى علي بذلك. فأستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام م العراق. وبلغ معاوية أن عليا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فخرج هو أيضا قاصدا صفين.
(٨) أخرجه أحمد عن زر بن حبيش قال: «استأذن ابن جرموز على علي - رضي الله عنه - وأنا عنده فقال علي - رضي الله عنه -: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير». المسند: ١/ ٨٩ الحاكم، المستدرك: ٣/ ٤١٤. ومن الإمامية: المفيد، الاختصاص: ص ٩٥؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص٤٧٧.