للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من المؤمنين اقتتلوا فيما بينهم، وأن يقاتلوا إذا بلغت إحداهما حتى تفيء. (١)

ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن وعدم نفعه للمجيب أصلا، لأن الأمر الثاني يستدعي أن يكون القتال مع الإمام ضرورة فافهم. ومما يدل على أن المحارب غير كافر صلح الحسن - رضي الله عنه - مع معاوية، وهو مما لا مجال لإنكاره. (٢)

وقد روى المرتضى وصاحب (الفصول المهمة) من الإمامية أنه لما أبرم الصلح بينه - رضي الله عنه - وبين معاوية خطب (٣) فقال: «إن معاوية نازعني حقا لي دونه، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة، وقد كتنم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم» (٤) انتهى.

وفي هذا دلالة ظاهرة على إسلام الفريق المصالح وأن المصالحة لم تقع إلا اختيارا، ولو كان المصالح كافرا لما جاز ذلك ولما صح أن يقال «فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة» أه. فقد قال سبحانه وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.

ويدل على وقوع ذلك أختيارا أيضا ما رواه صاحب (الفصول) عن أبي مخنف (٥) من أن الحسين - رضي الله عنه - كان يبدي كراهة الصلح ويقول لو جز أنفي كان أحب إلى مما فعله أخي. (٦) فإنه لا معنى لهذا الكلام لو لم يكن وقوع الصلح من أخيه رضي الله عنهما اختيارا فإن الضرورات تبيح المحظورات وهو ظاهر.

وبعد هذا كله قد ثبت عند جمع أن معاوية - رضي الله عنه - ندم على ما كان منه في المقاتلة والبغي على الأمير كرم الله تعالى وجهه واتفق أن بكى عليه كرم الله تعالى وجهه. فقد أخرج ابن الجوزي عن أبي صالح قال: قال معاوية لضرار: صف لي عليا. فقال: أوتعفيني. قال: بل تصفه. فقال: أوتعفيني. قال: لا أعفيك. قال: أما ولابد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس


(١) القطب الراوندي في فقه القرآن: ١/ ٣٧١.
(٢) والحسن - عليه السلام - معتبر في دين الشيعة معصوما، وكل ما يصدر عن المعصوم يجب عليهم أن يؤمنوا بأنه الحق، فبيعة الحسن لمعاوية من عمل المعصوم في مذهبهم ومعاوية هو الإمام الحق ببيعت المعصوم له. وانظر التعليق على العواصم ص ١٩٧ - ١٩٨.
(٣) أي الحسن بن علي - رضي الله عنهما -
(٤) تقدم التخريج
(٥) هو مؤرخ الشيعة، وصفه ابن عديس بأنه «شيعي محترق».
(٦) تقدم التخريج