للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به. ورووا عن بعض ائمة أهل البيت «من صلى وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي». (١) وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف. وكذا في وجوب قضاء الصوم على من أفطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضا. (٢) وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلاف أيضا. وأفتى كثير منهم بالأفضلية، ومنهم من ذهب إلى جواز - بل وجوب - إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، ولا يخفى أنه من الإفراط بمكان. وحملوا أكثر أفعال الأئمة - مما يوافق مذهب أهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة - على التقية، وجعلوا هذا أصلا أصيلا واستوى عليه دينهم وهو الشائع الآن فيما بينهم. (٣) حتى نسبوا ذلك للأنبياء عليهم السلام، (٤) وجل غرضهم من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ففى كتبهم ما يبطل كون أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ونبيه - رضي الله عنه - ذوى تقية، بل ويبطل أيضا فضلها الذي زعموه.

ففي كتاب (نهج البلاغة) الذي هو في زعمهم أصح الكتب بعد كتاب الله أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قال: «علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك» (٥) وأين هذا من تفسيرهم قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} بأكثركم تقية؟ (٦) وفيه أيضا أنه كرم الله تعالى وجهه قال «إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض (٧) كلها ما بليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، وإلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج» (٨) وفي هذا دلالة على أن الأمير لم يخف وهو منفرد من حرب الأعداء وهم جموع،


(١) روى الكليني وغيره عن الحلبي عن أبي عبد الله قال: «من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصف الأول». الكافي: ٣/ ٣٨٠؛ ابن بابويه، الأمالي: ص ٣٣٦؛ العاملي، وسائل الشيعة: ٨/ ٢٩٩.
(٢) قال مكرم الشيرازي: «وظاهر هذه الأحاديث رجحان الصلاة معهم مع نية الاقتداء بهم كما أن ظاهرها جواز الاكتفاء بها وعدم وجوب إعادتها». القواعد الفقهية: ١/ ٤٥٢. وينظر منتهى الدراية: ٢/ ٦١.
(٣) وعدوا التقية ركنا من أركان الدين من تركه كان كتارك الصلاة، روى ابن بابويه وغيره عن علي بن محمد الهادي (الإمام العاشر عندهم) أنه قال: «لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا». من لا يحضره الفقيه: ٢/ ١٢٧؛ الحراني، تحف العقول: ص ٤٨٣؛ العاملي، وسائل الشيعة: ١٠/ ١٣١.
(٤) فمن مسلمات المذهب أن التقية جائزة على الأنبياء. روى الكليني وغيره عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله - عليه السلام -: التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟! قال: أي والله من دين الله، قال يوسف {أيتها العير إنكم لسارقون} والله ما كانوا سارقين شيئا، وقال إبراهيم: {إني سقيم} والله ما كان سقيما وما كان يكذب». الكافي: ٢/ ٢١٧؛ رجال النجاشي: ص ٢٣٧؛ البرقي، المحاسن: ١/ ٢٥٨.
(٥) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ٢٠/ ١٧٥.
(٦) حيث روى الإمامية في تفسير الآية عن أبي عبد الله أنه قال: «أعلمكم بالتقية». الطوسي، الأمالي: ص ٦٦١؛ الطبرسي، أعلام الورى: ص ٤٣٤؛ النوري، مستدرك الوسائل: ١٢/ ٢٥٣.
(٧) طلاع الأرض: ملؤها. شرح نهج البلاغة
(٨) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٧/ ٢٢٥.