للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانك هذا بهتان عظيم. {ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}

وأيضا أن التقية لا تكون إلا لخوف، والخوف قسمان:

الأول الخوف على النفس وهو منتف في حضرات الأئمة بوجهين: أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم كما أثبت هذه المسألة الكليني في (الكافي) وعقد لها بابا وأجمع عليها سائر الإمامية. (١) وثانيهما أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، (٢) فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتفصيل والتخصيص، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم، ولا حاجة بهو إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.

القسم الثاني خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة الصلحاء، فقد كانوا يتحملون البلاء دائما في امتثال أوامر الله تعالى، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة. وأهل البيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم - صلى الله عليه وسلم -. (٣) وأيضا لو كانت التقية واجبة فلم توقف إمام الأئمة كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة اشهر؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة؟ (٤)

ومما يرد قولهم في نسبة التقية إلى الأنبياء عليهم السلام بالمعنى الذي أرادوه قوله تعالى في حقهم {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا} وقوله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} وقوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يجب الصابرين} إلى غير ذلك من الآيات.

نعم لو أرادوا بالتقية المداراة التي أشرنا إليها لكان لنسبتها إلى


(١) بوب الكليني: (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون إلا باختيار منهم. الكافي: ١/ ٢٥٨؛ وللصفار: (باب في الأئمة أنهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت عليهم السلام). بصائر الدراجات: ص ٤٨٠؛ والباب نفسه عند المجلسي في بحار الأنوار: ٢٧/ ٢٨٥.
(٢) بوب الكليني لذلك: (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان ويكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء). الكافي: ١/ ٢٦٠؛ وقلده المجلسي فكتب: (باب أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار وأنه عرض عليهم ملكوت السماوات والأرض ويعلمون علم ما كان ويكون إلى يوم القيامة). بحار الأنوار: ٢٦/ ١٠٩.
(٣) والروايات كثيرة في ذلك منها ما رواه الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: «قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد». الكافي: ٢/ ٩٢؛ العاملي، مسكن الفؤاد: ص ٤٧. ويمكن الاطلاع على روايات أكثر في (باب الصبر على البلاء) من كتاب العاملي، وسائل الشيعة: ٣/ ٢٢٥ وما بعدها.
(٤) هذا من باب مجاراة الخصم، فالثابت أن عليا بايع الصديق كما بايعه الصحابة الآخرون ولم يتأخر.