للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا قائل بذلك من الفريقين ولأوجبت تفضيل حكيم بن حزام بن خويلد (١) ابن أخي أم المؤمنين خديجة - رضي الله تعالى عنها - على سائر الأنبياء إذ قد ولد في الكعبة أيضا. (٢) وبطلان ذلك غير خفي على أحد والله يبدي الحق ويهدي إلى سواء السبيل.

ومن مكائدهم أنهم يقولون: أهل السنة رووا في كتبهم الصحيحة ما يزري بشأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الغيرة حيث يروون عن عائشة أنها قالت «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالدرق والحراب يوم العيد». (٣) فإن في هذه الرواية إراءة اللعب وتقرير الحبشة عليها في المسجد ونظر زوجة الرسول إلى غير المحارم وأن أهل السنة يروون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير مني» (٤) وأدنى الناس لا يرضى برؤية زوجته إلى الأجانب ونظرها إلى لعبهم ولهوهم فضلا عن سيد الكونين - صلى الله عليه وسلم -.

والجواب أن هذه القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب، وكان النساء من أمهات المؤمنين وغيرهن يخرجن إذ ذاك بلا حجاب ويخدمن الأزواج ولو بحضور الأجانب باتفاق الفريقين حتى روي أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - كانت تغسل الجراح التي أصابته - عليه الصلاة والسلام - في غزوة أحد بمحضر سهل وجماعة من الصحابة والشيء قبل تحريمه لا يكون فعله موجبا للطعن فقد صح عند الفريقين أن سيد الشهداء حمزة وأبا طلحة الأنصاري وجماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - شربوا الخمر قبل تحريمها وسكروا ووقع بينهم ما وقع ورآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تلك الحالة وسكت ولم ينكر عليهم. وأيضا أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذ ذاك صبية غير مكلفة فلو نظر مثلها إلى لهو فأي محذور؟ ولا سيما إذا كانت متسترة وأيضا أن لهو الحبشة ولعبهم كان لتعلم الحرب والقتال حتى روي أن الملائكة يحضرون مثل هذا اللعب فالنظر إليه ليس بحرام. وأما ما نقل من زجر عمر بن الخطاب الحبشة عن ذلك لما ظن أن فعل ذلك بحضور النبي - عليه الصلاة والسلام - من سوء الأدب ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - له «دعهم يا عمر» امتنع عن الإنكار. والعجب من الشيعة أنهم يعدون أمثال ذلك من قلة الغيرة والعياذ بالله تعالى


(١) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي، تأخر إسلامه حتى الفتح، شهد حنينا وأعطي من غنائمها، وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها، مات سنة ٥٠هـ. الاستيعاب: ١/ ٣٦٢؛ الإصابة: ٢/ ١١٢.
(٢) عن الزبير بن بكار كما في الإصابة: ٢/ ١١٢.
(٣) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «إن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه، فقال: يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى وقالت عائشة: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن». متفق عليه.
(٤) قال سعد بن عبادة: «لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته مصفح فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أتعجبون من ... ». الحديث فذكره، متفق عليه.