للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن جميع فنونهم في الكلام والعقائد والتفسير ونحوها مستمدة من كتب غيرهم. والمعتمد من كتب أخبارهم الأصول الأربعة: أحدها (الكافي) المشهور بالكليني، وثانيها (من لا يحضره الفقيه) وثالثها (التهذيب) ورابعها (الاستبصار). وصرح علماؤهم بأن العمل بكل ما في هذه الأربعة واجب، وكذلك صرحوا بأن العمل برواية الإمامي الذي يكون دونه أصحاب الأخبار أيضا واجب بهذا الشرط كما نص على ذلك أبو جعفر الطوسي والشريف المرتضى وفخر الدين الملقب بالمحقق الحلي، (١) مع أنه يوجد في تلك الكتب الأربعة من رواية المجسمة كالهشامين وصاحب الطاق، ورواية من اعتقد أن الله تعالى لم يكن عالما في الأزل كزرارة وأمثاله كالأحولين (٢) وسليمان الجعفري، ورواية من كان فاسد المذهب ولم يكن معتقدا بإمام أصلا كبني فضّال وابن مهران وغيرهم، ورواية بعض الوضاعين الذين لم يخف حالهم على الشيعة كجعفر الأودي (٣) وابن عياش (٤) وكتاب (الكافي) مملوء من رواية ابن عياش وهو بإجماع هذه الفرقة كان وضاعا كذابا.

والعجيب من الشريف مع علمه بهذه الأمور كان يقول: إن أخبار فرقتنا وصلت إلى حد التواتر، (٥) وأعجب من ذلك أن جمعا من ثقاتهم رووا خبرا وحكموا عليه بالصحة، وآخرين كذلك حكموا عليه بأنه موضوع مفترى، وهذه الأخبار كلها في صحاحهم كما أن ابن بابويه حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن وآياته، ومع ذلك فتلك الروايات ثابتة في (الكافي) بأسانيد صحيحة بزعمهم، إلى غير ذلك من المفاسد، والله سبحانه يحق الحق وهو يهدي السبيل.


(١) يدل على ذلك كتاب الحلي (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة)، فرغم ادعائهم أن ما في الكتب الأربعة في حكم المتواتر عندهم عن (المعصوم)، لكن منها ما رواه عمار بن موسى قال: «سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة». وأخرج الرواية الكليني، الكافي: ١/ ٤٩؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ٢/ ٢٠١، قال الحلي: «وفي سنده عمار وهو ضعيف، لذا حمل الطوسي الخبر على من نسي الاستنجاء بالماء واستنجى بالحجر». مختلف الشيعة: ١/ ٢٧٢، وكلام الطوسي في تهذيب الأحكام: ٢/ ٢٠١. بل ضعف الحلي الأحاديث التي يطلق عليها أيضا لفظ (الصحيح) عندهم، مثال ذلك: «روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق - عليه السلام - عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء فتيمم وصلى هل يعيد ... الرواية؟» أخرجها الكليني، الكافي: ٣/ ٦٥؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ١٤٩؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: ١/ ١٠٥. قال الحلي: «سنده ضعيف». مختلف الشيعة: ١/ ٤٤٠. وضعف الحلي أيضا أحاديث كثيرة من كتبهم الأربعة في كتابه (مختلف الشيعة)، ينظر مثلا: ١/ ٤٤٨، ٢/ ٢٧، ٢/ ٦٦، ٢/ ١٧٤، ٢/ ٢٩٣، ٢/ ٣٧٣، ٣/ ٥٥، ٣/ ٢٢٩.
(٢) المعروفون بالأحول من رجال الشيعة كثيرون منهم أبو سعيد الأحول، وبكر ابن عيسى أبو زيد الأحول، وجعفر بن محمد بن يونس الأحول الصيرفي مولى بجيلة، وجعفر ابن يحيى بن سعيد الأحول، وحبيب الأحول الخثعمي، والحسين بن عبد الملك الأحول. بل إن الخبيث عدو الله شيطان الطاق كان يلقب بالأحول أيضا.
(٣) لم يذكر له الشيعة جرحا ولا تعديلا. رجال النجاشي: ١/ ٣٠٧؛ معجم رجال الحديث: ٥/ ١١.
(٤) هو أحمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم الجوهري، قال النجاشي: «كان قد سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره ... ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أروِ عنه شيئا وتجنبته»، مات سنة ٤١٠هـ. رجال النجاشي: ١/ ٢٢٥؛ تنقيح المقال: ١/ ٨٨.
(٥) كذا صرح المقتول الثاني في معالم الدين: ص ٢١٢.