العذر قبل بعث الأنبياء، ولزم اللغو أيضا في سؤال الرب والملائكة عبادة الكفار في الآخرة تبكيتا وإفحاما عن مجئ الرسل. واللوازم كلها باطلة بقوله تعالى {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، (١){ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى}{ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين}، {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا} الآية، {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ياتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير} الآية، {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى} الآية. على أن قوله تعالى {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} بعد قوله {يا معشر الجن والإنس} الآية يدل بالصراحة على أن أهل القرى قبل إرسال الرسل يكونون غافلين وإهلاكهم تعذيبا يكون ظلما، فلو كان حسن الأفعال وقبحها عقليين وكان النظر في معرفته واجبا عقلا لما صح ذلك القول أصلا كما لا يخفى. ولا يمكن تعميم الرسل في هذه الآية حتى يشمل العقل أيضا بالضرورة. ألا ترى أن التلاوة والقصة لآيات الله لا يصح إسنادها إلى العقل أصلا ومع هذا فإن «الرسول» في اللغة هو المبلغ لكلام أو كتاب من أحد إلى آخر، وفي الشرع هو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق ليدعوهم إليه بشريعة مجددة، وهما معناه الحقيقي - اللغوي والمفهوم الشرعي - ولم يثبت أصلا استعماله في العقل لا لغة ولا شرعا حتى يقال بعموم المجاز، وإنما هو اختراع بعض المتكلمين من المعتزلة لتأييد مذهبهم. وأيضا كان العقل للكفار حاصلا في الدنيا، فكيف يصح اعتذارهم بعدم إرسال الرسل في الآخرة.
فثبت بهذه الوجوه أن الحسن والقبح ليسا إلا شرعيين، ولا يستقبل العقل في إدراكهما بدون الشرع قطعا. قالت المعتزلة ومن تبعهم: إن الحسن والقبح عقليان بمعنى أن الأفعال
(١) قال البغوي: «وفي هذه الآية دليل على أن الله تعالى لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسول ... ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين». تفسير البغوي: ١/ ٥٠٠ - ٥٠١.