واعلم: أنه يجب على القارئ أن يحسن الأدب مع المقرئ، ويتباعد منه في الجلوس ولا يستقبله بنفسه، وينبغي ألا يتناول من البصل والثوم والكراث إذا جلس لقراءة القرآن، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا (١). وليجلس على رجليه ولا يقابله بعينيه، بل يطأطن رأسه ويشتغل بما هو بصدده، ولا يرفع صوته عليه ولا يتعنته في السؤال، فإن علم أنه يعلم ما يسأله عنه، فلا بأس بذلك، ولا يذكرن غيره ممن يعانده بين يديه، ولا يذكرن أحدا إلا بخير، ويشتغل بالتعليم والتعلم والتوقير والتفهيم ليضع اللَّه البركة فيما علم وإن قل، ولا يطلبن عليه الزلل ولكن المقرئ دار آية، ويوقر غيره بخير بما علم باثًّا علمه قاصدًا به اللَّه تعالى من غير أن يطلب به أجرة ولا ترفعًا ولا ينهاه أن يقتبس من غيره ولكن القارئ فطنا والأولى به أن لا يختلف إلى غيره من قرأ عليه تبجيلًا لا وجوبًا، ومن لم يعظم أستاذه لم ينتفع بعلمه حتى روى يحيى بن آدم أنه قال: جالست أبا بكر أربعين سنة أسأله عن حروف عَاصِم حرفا حرفًا ولم أقرأ عليه هيبةً له.
وروى عن قَالُون أنه قال: ما أعلم أني تناومت بين يدي نافع قط إلا يومًا واحدًا لأني رأيته كالناعس فطنت أنه لا يسمع ما أقرأ فتناعست فانتهرني فتبت على يديه ولم أعد إلى ذلك.
قال الْيَزِيدِيّ: ولقد صاحبت أبا عمرو ثمانية عشر سنة ما أكلت بين يديه لقمة قط.
(١) تصرف المؤلف في لفظه والذي أخرجه البخاري (٨١٥)، ومسلم (٥٦١)، وغيرهم بلفظ: " من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ".