قال الشيخ الْهُذَلِيّ: هذا كتاب أجمع فيه إمالات القراء وأعرض عن التفخيم وأذكر الإضجاع فأبين التوفيق ومذهبي واختياري فيها.
واعلم أن الإمالة والتفخيم لغتان ليست أحديهما أقدم من الأخرى بل نزل القرآن بهما جميعًا وسبب الإمالة يعتمد إما ياء ساكنة في أواخر الأسماء والأفعال، وإما ألف منقلبة من ياء أو بعض الأوزان كفعلَى، وفَعِلى، وفَعُلى، وفِعالى، وفُعَالى، وفَعالى، وما جاء من غير هذه الأوزان ككلمة آخرها راء في محل الجر فيها ألف ساكنة أو جاء في محل الرفع في مواضع أبينها، واستثنى بعضهم عن أهل الإمالة ترك إمالتها أو زاد بعضهم على بعض فيها أو رقق بعضهم ولم يمل وسأبين ذلك في موضعه فصولًا بعد أن أخبر أن الإمالة ليست دون التفخيم، وأرد قول من قال أن الإمالة لغة الإنباط وأهل الأنبار معا أنا لم أجعل هذا الكتاب للعلل إنما جعلناه لإثبات الرواية فإن أخر اللَّه تعالى في الأجل عللناه في كتاب أطول منه وشرحناه، لكن رأيت قومًا زعموا أن الإمالة ليست بلغة صحيحة وأن القرآن لم ينزل بها وإنما نزل بالتفخيم، ولما انتقلت الصحابة من المدينة ومكة إلى العراق، وأخذوا بلغة أهل الأنبار حتى أن رجلا سمع ابن أبي وقاص بعد قدومه إلى القادسية يقرأ موسى وعيسى ويحيى بالإمالة فقال: إن أبا إسحاق جاور أهل الأنبار وأن أبا حاتم عاب إمالة حَمْزَة والكسائي وقال: إن القرآن لم ينزل هكذا وقصد بذلك رد قراءة أهل الكوفة وأن الْيَزِيدِيّ جالس الكسائي بعد انفصاله عن أَبِي عَمْرٍو فسمع هاشم البربري يقرأ عليه ويمل إمالة مفرطةً فقال: أقل من هذا يا أبا معاوية فقال هاشم: أما سمع يا أبا الحسن قول الْيَزِيدِيّ فقال: أكثر من هذا على رغم، والعجب من أبي خيثمة حين قال: إن اللَّه لم ينزل القرآن بهذا اللغة حتى عاب الْأَعْمَش وأصحابه وحكى حديث أهل مكة حين قدم هارون الكسائي ليصلي بهم فقرأ سورة (والنجم) فأمال فتفرقوا من خلفه وشغبوا عليه وذكر قصة فيها طول ونحن نحترز عن التطويل في هذا الكتاب، والجملة بعد التطويل أن من قال: إن اللَّه لم ينزل القرآن بالإمالة أخطأ وأعظم الفرية على اللَّه وظن بالصحابة خلاف ما هم عليه من الورع والتقى وكيف يظن بهم ذلك ولم يتركوا فعلًا من أفعال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لا قولا ولا حركة إلا نقلوه وبينوه؛ إذ هم حجة الشريعة، وأنى يقال