للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الأخطاء في تربية الأبناء]

وأخطاؤنا التربوية كثيرة جداً؛ لأننا للأسف لا نعرف أن هذا علم له قواعد، وقليل من يهتم بهذه الأمور، فنقع في بعض الأخطاء التي لها تأثير خطير على نفسية الطفل وقدراته فيما بعد، مثل تحطيم الثقة في نفسه، فالطفل في الرابعة أو في الخامسة أو قبل ذلك يبدأ يحاول أن يستقل، وكما ينمو في بدنه فإن شخصيته تنمو، وتمر بمراحل، فيبدأ يحاول أن يستقل، ويثبت في نفسه أنه قادر على أن يفعل أشياء بنفسه، فيحاول -مثلاً- أن يأكل بالملعقة، فالأم تضربه وتمنعه أن يأكل بالملعقة؛ لأنه يلطخ ثيابه وكذا وكذا، وهذا خطأ كبير، أو يريد أن يلبس النعل وفيه الرباط فيتأخر كثيراً، فالأم تقول: نحن مستعجلون تعال فيربطه له هي، وهذا خطأ، بل عليها أن تتركه يمارس هذه الوظائف، ولأنه الآن يمر بمرحلة جديدة، لأنه يثبت ذاته، ويريد أن يمارس الأشياء بنفسه، فيترك ليعمل حتى ولو كان في عمله خطأ.

ولو أن الطفل كتب أو رسم شيئاً لا ينبغي فللوالد أن ينهره أو يمزق عليه الورقة أو يخذله ولا يشجعه، وهذا بلا شك له أثر سيء جداً في نفسية الطفل فيفقد الثقة بنفسه، والمفروض أن تشجعه وتكلفه أولاً بمهام بسيطة جداً يستطيع أن يقومها، ثم تترقى به إلى أعظم منها وهكذا.

لا نريد أن نفصل في هذا، لكن باختصار شديد أمر التشجيع وأمر المكافئة أمر مهم، وتكون فوراً عقب العمل الحسن، لا تؤجل إلى يوم غد ولا يقال للولد: انتظر حتى يأتي والدك يعطيك كذا، بل عقب الفعل الحسن الذي فعله الولد يكافأ في الحال؛ لأن هذا مما يشجعه ويدفعه إلى الترقي، كما كان أمير المؤمنين يقوي ثقة ابن عباس في نفسه، ويغذي همته، والسلف كانوا يحرصون جداً على هذه المعاني، كانوا أساتذة في هذه الأمور التي يتغنى بها الكفار الآن، ويدّعون أنهم سابقون فيها، والمعلم الأول في ذلك هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما ندري أي كرامة تكون عند هذا الصبي أو هذا الشاب الذي يضربه أبوه أو أمه بالنعل، فإذا كانت تهدر كرامته بهذه الطريقة أينتظر من مثل هذا عندما يكبر أن يكون له كرامة أو يثأر لها أو يغار عليها؟! بل هذا تحطيم لنفسيته، وتربيته على الهوان والتذلل، وأنه إنسان حقير، فبعض الآباء حينما يعاقب الولد أو يشتد عليه بالإنكار يستعمل عبارات كلها تحقير للذات، وهذا يطفئ همته، ويجعل نفسه منحطة وسافلة.

نعم له أن يشتد عليه، لكن بعبارات مهذبة، أما أن يقول له: أنت حقير، أنت كذا، من العبارات التي فيها تحقير للذات، فلا شك أن هذا يؤثر في نفسيته تأثيراً سيئاً جداً، فيحتقر ذاته، وكلما يكلف بشيء يقول: لا أستطيع، لا أقدر، لا أقوى على هذا؛ لأنه ليس عنده ثقة بنفسه، وينتابه الشعور بالدونية وبالنقص، بل بعضهم يقول لولده: أنت غير نافع، أنت غير صالح، أنت لا أمل فيك، وكل هذه العبارات تشوه نفسيته تماماً، وكما أنك لو قطعت يده أو قطعت أنفه تشوه جسمه فهذه تشوه نفسيته، ويكون الطفل مشوهاً نفسياً، ويشعر بالنقص، ويعاني في المستقبل عناءً شديداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>