للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحركة سر دعوة الإسلام المباركة]

إن الحركة هي سر دعوة الإسلام المباركة في أرجاء الدنيا، ينطلق بها جنود لا يعلمهم إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١]، فليست هيئات رسمية، ولا وزارات في حكومات، ولا هيئات تنفق عليها الأموال، بل إن النشاط الذي يبذل في سبيل الدعوة الإسلامية في كل أرجاء الدنيا لا يبلغ عشر معشار ما ينفق على الأنشطة التبشيرية التي تبشر الناس بالنار، ومع ذلك نجد هذه البركة.

والإسلام قطعاً هو أعلى الأديان من حيث معدل الانتشار وغزو القلوب في كل أرجاء الدنيا، حتى إن الغرب الآن يجتهد في أن يواجه الإسلام؛ لأن الغربيين يعانون من الجفاف الروحي، فيبحثون عن تعويض لهذا الجفاف، فأصبح هناك تركيز كبير على أن يتجه الغربيون إلى الديانات المنتشرة في شرق آسيا، وهناك توجيه للقائمين على الثقافة الغربية أن يحاولوا أن يجتهدوا في إبعادهم عن الإسلام، فالذين يعانون من الجفاف الروحي يبحثون عن الأديان، فيوجهونهم دائماً إلى شرق آسيا، حيث البوذية والبرهمية والمجوسية ونحو هذه الأديان التي فيها إغراق في الجانب الروحي القائم على الضلال والشرك والوثنية وعبادة الأنداد من دون الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم يخافون أن يتوجهوا إلى الإسلام فيتأثروا به، لذلك جعلوا كل تركيزهم على ترويج التوجه ناحية الديانات الشرقية، خوفاً من المد الإسلامي الذي لا يجدون تفسيراً لانتشاره حتى في عقر دارهم.

فالإسلام ينتشر بنفسه؛ لأنه دين كثير الحركة، ويحمل في طياته جاذبية كاملة تجذب كل من اطلع عليه وكان في قلبه خير حتى يستحوذ على كل كيانه.

ويلفتنا الأستاذ محمد أحمد الراشد -حفظه الله تعالى- إلى ميزان غريب من الموازين التي اعتبرها معياراً أو مقياساً يقيس به هذه الحركة الحياتية المتفجرة في الداعية، فيحكي في كتابه (صناعة الحياة) ويقول: وقد كنت في الأيام الخوالي -يعني أيام الشباب- ألاطف إخواني، فأعمل تفتيشاً على أحذيتهم.

وإذا سمعنا كلمة التفتيش على الأحذية -كما هو في المدارس- نفهم منه أن التفتيش على الأحذية هو التفتيش عن اللمعان والنظافة والبريق.

فكان يعمل من وقت إلى آخر التفتيش على أحذية إخوانه، يقول: ليس على نظافتها وصبغها ورونقها كالتفتيش العسكري، بل على استهلاكها وتقطعها والغبار الذي عليها! فكان يجعل إخوانه يخلعون النعال، فيقلب النعل، يقول: فأرى النعل، فمن كان أسفل حذائه مهترئاً تالفاً فهو الناجح، وأقول له: شاهدك معك، حذاؤك يشهد لك أنك تعمل وتغدو في مصالح الدعوة، وتطبق قاعدة: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس:٢٠]، ولكثرة حركتك تلف حذاؤك، فأنت المجتاز المرضي عندي.

يقول أحدهم: قد -والله- مكثت عشرين سنة يأخذني تأنيب الضمير كلما رأيت حذائي لا غبار عليه، وأتذكر ذلك التفتيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>