بعد ذلك نتكلم عن الهمة باعتبار محلها، فالهمة عمل قلبي، منبعها ومصدرها ومحلها القلب، فبما أن الهمة محلها القلب، وبما أن القلب لا سلطان لأحد عليه غير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق طليقة من القيود التي تكبل الأجسام.
يعني: لو كان إنسان مكبلاً بأشد أنواع القيود، فهل معنى ذلك أنه إذا كبل جسده يمكن أن تكبل همته إذا كان هو في الأصل عالي الهمة؟
الجواب
لا؛ فحتى لو كبل جسده فهمته تنصرف إلى أعلى المقامات، فالهمة لا يستطيع أحد تقييدها، حتى ولو كبل الجسد كله عضواً عضواً، فهي تحلق حتى ولو كان صاحبها في هذه القيود، يقول الشاعر: إن يسلب القوم العدا ملكي وتسلمني الجموع فالقلب بين ضلوعه لم تسلم القلب الضلوع ونقل ابن قتيبة عن بعض كتب الحكمة يقول: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علواً، كالشعلة من النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً.
أي: لو أن إنساناً يحمل شعلة من النار، ويحاول أن يجعل هذا اللهب يمضي إلى أسفل، فهل يستطيع ذلك؟ الجواب: لا.
فكذلك صاحب الهمة، يمكن أن تقع الضغوط على بدنه وعلى جوارحه، أما قلبه فلا يمكن، بل يسمو إلى أعلى المقامات.