للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغناء ودوره في انحطاط الهمم]

من أسباب انحطاط الهمم: الفناء، وهو اصطلاح صوفي، لكن نحن مضطرون إلى استعماله هنا؛ لأن هذا واقع من كثير من الناس، فهناك الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد، وحقوق الأهل والأولاد من الواجبات على الرجل، لكن نحن لا نتكلم عن شخص يؤدي الواجب الذي عليه، بل نتكلم عن واحد يستغرقه الأهل والأولاد بصورة تفتنه تماماً عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبصورة يتحقق فيها ما حذرنا منه الله سبحانه وتعالى حينما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:١٤]، وقوله: (عَدُوًّا لَكُمْ)، يعني: عداوة غير مباشرة، فالعدو إما عدو صريح، وإما عدو متلون، فإيثار رضا الأهل والأولاد على ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والافتتان بهم بحيث أن الإنسان يرتكب مخالفات في سبيل أن يأتي لهم بالمال أو غير ذلك فإن هذا يعتبر عداوة حقيقية؛ لأنها تؤثر في الدين سلباً، فمن ثمَّ أطلق الله على هؤلاء الأحباب الذين يحبهم الإنسان قوله: ((عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)) [التغابن:١٤]، أي: كما تحذرون الأعداء.

فمن أسباب انحطاط الهمة الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد، واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم؛ فالأب ليست له وظيفة غير أنه يحقق كل رغبات الأطفال، فهم يأمرون وهو ينفذ، ويقول: سمعنا وأطعنا، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة، هذا هو الذي نعنيه.

ومثل هذا ينظر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (وإن لأهلك عليك حقاً)، لكنه يترك قوله: (وإن لربك عليك حقاً)، فالمسلم مطالب أن يكون متوازناً، فيكون عنده نوع من التوازن بين الحقوق والواجبات، وأيضاً يترك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (فأعط كل ذي حق حقه).

فكل ذي حق يأخذ حقه، وقد عد الله سبحانه وتعالى الأهل والأولاد أعداء للمؤمن إذا حالوا بينه وبين طاعة الله عز وجل روى ابن جرير عن عطاء بن يسار في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:١٤]، قال: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي؛ كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق ويقيم، ويترك الجهاد، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:١٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>