[نموذج في النضج الاجتماعي المبكر في الشيخ محمد بن عبد الوهاب]
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هو صاحب أعظم حركة تجديدية منذ القرن الثاني عشر إلى الآن؛ فإن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى لا ينكر دوره التجديدي العظيم إلا جاحد، فاكتشف والده فيه النضج الاجتماعي المبكر، فذهب أبوه ينمي ثقته بنفسه، ويصقل مواهبه، ويعده لتحمل المسئوليات.
كتب أبوه يوماً إلى صاحب له فقال له وهو يتكلم عن ولده محمد بن عبد الوهاب: تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكمال سن اثنتي عشرة سنة على التمام، ورأيته أهلاً للصلاة بالجماعة والائتمام.
أي أنه بلغ في هذه السن، ورأى أن عنده الأهلية في أن يصلي الجماعة ويصلي إماماً بالناس، قال: فقدمته إماماً لمعرفته بالأحكام.
لأنه كان ربي على الفقه، وربي رحمه الله تعالى على العلم، فقدمه أبوه ليكون إماماً تنمية للثقة بالنفس، وتنمية لهذه الشخصية والنضوج الاجتماعي المبكر، يقول أبوه: وزوجته بعد البلوغ مباشرة.
وفي ذاك الزمان كثيراً ما نجد أن الشاب يتزوج في مثل هذا السن، وقد يكون وصل إلى مرحلة البلوغ، لكن النضج الجسدي لا يتوافق مع النضج الاجتماعي، وهذه لا تكون قاعدة، أي أن واحداً يتزوج وله اثنتا عشرة سنة مثلاً؛ لأننا نتكلم عن حالة استثنائية، ونشير إلى خاصية النضج الاجتماعي المبكر، حيث يكون صاحبه قادراً على تحمل المسئولية، وإلا فلو أن فتىً من فتيان هذا الزمان عمره اثنتا عشرة سنة أو ثلاث عشرة أو سبع عشرة حُمِّل مسئولية فكم من المشاكل ستنجم نتيجة التخلف في النضوج الاجتماعي، فنحن نتكلم الآن على حالة شاذة تميزت بظهور النضج الاجتماعي مبكراً.
يقول أبوه: وزوجته بعد البلوغ مباشرة، ثم طلب مني الحج إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالإسعاف إلى ذلك المرام، فحج وقضى ركن الإسلام.
فهذا كلام والده عنه، وهذا هو النضوج الاجتماعي المبكر، وهذه هي التربية الواعية؛ لأنها تنمي الملكات، وتغرس الثقة في النفس، لا كالآباء الذين يحطمون في أولادهم كل موهبة، كأن يقول له: أنت غير فالح، وأنت غير نافع، وأنت وأنت.
ويحقره في ذاته دون أن يدري.
فهذه التربية هي التي تنمي الملكات، وتغرس الثقة بالنفس، وتحررها من التواكل والتبعية والطفولية لغير هذا النضج المبكر، وبهذا نستطيع أن نفسر ظاهرة ارتحال العلماء في سن الصبا والشباب المبكر في أقطار الدنيا طلباً للعلم، وقد فارقوا الأهل والأوطان، وكابدوا المخاطر والمشاق دون كلل ولا ملل ولا تبرم.
وعلى الجهة الأخرى إن كنا نقول: إن البيئة قد تكون سبباً في النضج فإن البيئة المعدمة -كأن يكون الأب فقيراً جداً أو غير ذلك من الأسباب- قد تكون سبباً في الإعاقة عن نمو هذا الملكات.