[حكم وصف الكافر بعلو الهمة والآثار المترتبة على ذلك]
يرد الآن سؤال سبق أن أشرنا إلى إجابته على سبيل الإجمال، وهو: لماذا لا يوصف الكافر بعلو الهمة؟ نقول: لا يمكن أن يوصف كافر بعلو الهمة، فبعض الناس يرتكبون هذا الخطأ، إذا أرادوا أن يتكلموا على علو الهمة فتراهم ينقلون كلاماً عن أناس من الكفار، بدعوى أن هؤلاء كانوا كبيري الهمة، فهذا من الفهم المتواضع جداً لهذا الموضوع، ونجد أعداء الإسلام وأعداء الدين يجتهدون في حشد مناهج التعليم ومنابع التثقيف عند المسلمين بهذه النماذج، وهم بذلك يظهرون أمام المسلمين أن الكفار خاصة الغربيين منهم هم العباقرة وهم الأذكياء وهم الذين علت همتهم، ويحفظ الناس أسماءهم، بينما إلمامهم بأبطالنا من السلف الصالح رحمهم الله تعالى أجمعين ضعيف جداً.
فكثير من الناس يرتكبون هذا الخطأ، خاصة إذا تكلموا على خصائص بعض الشعوب، فمثلاً يقولون: إن الشعب الألماني شعب عالي الهمة، أو إن الشعب الياباني شعب عالي الهمة، نحن لا ننكر أن للقوم إمعاناً في تحصيل علوم الدنيا والتقدم الدنيوي، لكن نحن نتكلم الآن عن الهمة العالية التي لا يمكن أن تكون عالية إلا إذا أراد صاحبها الله سبحانه وتعالى وأراد صاحبها الدار الآخرة، أما ما دون ذلك فهو لم يخرج عن حد الدنيا، فلذلك لا يجوز أن يوصف كافر بعلو الهمة.
فيخطئ بعض الناس حين يصفون بعض شعوب الكفار كالألمان أو اليابانيين أو أفراداً من المخترعين والباحثين بالهمة العالية؛ لأن الهمة العالية حكر على طلاب الآخرة، بل نسمع بعض الناس يترحم على مخترع كذا أو مكتشف كذا مع أن كان كفاراً، وهذا من الجهل الفاحش، فإن الكافر لا يجوز الترحم عليه.
فالهمة العالية كما ذكرنا حكر على طلاب الآخرة، وهي من شرفها وعزتها تأنف أن تسكن قلباً قد تنجس بالشرك والكفران، وتلطخ بأقبح معصية في الوجود، وهي معصية الشرك، قال عز وجل:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة:٧٢] فأي إنسان منذ بعث الله النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، بلغته هذه الدعوة وسمع عن هذا الدين ولم يجتهد في الوصول إليه والإيمان به وانشغل بالدنيا، أو انشغل بالدين الفاسد كنصراني أو يهودي أو غير ذلك، أو أعرض عن الدين، فهذا كافر، ومجرد الإعراض عن التوحيد كفر ومعاندة لله سبحانه وتعالى.
يقول سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:٣١]، وقال عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء:٤٨].
وقد بينا من قبل أن كمال الإرادة بكمال المراد، فمن نظر إلى الإرادة وقطع النظر عن المراد وقع في هذا الخطأ البين؛ لأنك حينما تصف مخترعاً أو عالماً من علماء الدنيا بعلو الهمة، فأنت نظرت إلى إرادته فقط، لكن قطعت النظر عن المراد، فهو عنده قوة إرادة، لكن قوة إرادته في طلب الدنيا، والدنيا حقيرة كما هو متواتر ومقطوع به.
فهو لن يرضى بالله سبحانه وتعالى مراداً، فكمال الإرادة بكمال المراد، فمن فصل بين الاثنين ونظر فقط إلى قوة الإرادة أو الهمة وقطع النظر عن المراد، فإنه يقع في هذا الخطأ ويصف الكفار بأنهم كبيرو الهمة.