رتب الإمام ابن الجوزي جدولاً للطالب يبلغ به منتهاه، فقال رحمه الله: وأول ما ينبغي أن يكلف -يعني: طالب العلم- في صباه: حفظ القرآن متقناً؛ فإنه يثبت، ويختلط باللحم والدم، فمن اشتغل وبدأ البداية الصحيحة بحفظ القرآن الكريم منذ الصغر فإن القرآن الكريم سيختلط بلحمه ودمه، يصبح جزءاً من كيانه، وكما أن الدم يجري في عروقه وعضلاته وكل خلايا جسمه فكذلك القرآن الكريم يمتزج بروحه امتزاجاً كاملاً؛ حتى يكون جزءاً من كيانه وتكوينه.
ولا شك أن من حفظ القرآن في الصغر أمكنه أن يتعبد به في الكبر، أما من تأخر في حفظ القرآن فلا شك أن كثرة التمتع والاستمتاع والتعبد بالقرآن الكريم ستكون أقصر، فينبغي الاهتمام بأن نجتهد في إنقاذ الأجيال القادمة -إن شاء الله- مما وقع فيه الجيل الماضي من التقصير في حق القرآن الكريم والاشتغال عنه بغيره.
فكل ما يشغل عن القرآن فهو في الغالب شؤم على صاحبه؛ لأنه سيحرمه من أن يضيء قلبه ويعمر جوارحه بكلام الله عز وجل، فكلام الملك ملك الكلام، فليس هناك كلام أفضل من كلام الله؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم دائماً يكرر على أصحابه هذه العبارة المهمة:(خير الكلام أو أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
وسيأتي بيان هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الاهتمام بالقرآن.
يقول ابن الجوزي: وأول ما ينبغي أن يكلف في صغره حفظ القرآن متقناً؛ فإنه يثبت فيختلط باللحم والدم، ثم مقدمة من النحو يعرف بها اللحن في لسانه، ثم الفقه مذهباً وخلافاً، وما أمكن بعد هذا من العلوم فحفظه حسن.
إذاً: طلب العلم سلم ذو درجات ومراتب لا ينبغي تعديها، فمن تعداها فقد تعدى سيرة السلف الصالح، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل، ومن تعداها مجتهداً زل، فلابد من المنهجية، ولابد من المرحلية.
فالمنهجية هي: أن يكون هناك منهج محدد في كل علم من العلوم تدرسه على شيخ، ولا تنشغل بغيره، وتواصل فيه الليل بالنهار مجتهداً.
والمرحلية هي: الجدول الزمني، يعني: أن المهمة التي تريد أن تنجزها لا تعد ناجحاً إلا إذا أنجزتها في وقت مناسب، لا أن تمر سنوات دون أن يحصل تقدم يذكر فإن هذا من الأخطار.