[دور مناهج المقلدين في انحطاط الهمم]
من هذه المناهج التي تهبط بالهمم: المناهج التي تحرض الناس على التقليد المنهجي، والتقليد هو مثل الميتة تأكلها إن اضطررت إليها، لكن الأصل هو اتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨]، أي: اتبعوا الرسول عليه الصلاة والسلام لعلكم تهتدون.
وقال تبارك وتعالى أيضاً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١].
ونحن لا نقول: إننا لا نرجع إلى العلماء في فهم الكتاب والسنة، لكن نقول: إن العالم غير معصوم، فقد يخالف القرآن أو السنة؛ لأنه اجتهد، وباجتهاده أخطأ، ويثاب على ذلك، لكن نقول: نحن ندور مع الحق حيث دار، فمتى ما صح قول رسول الله عليه الصلاة والسلام فيجب المصير إلى قوله، وألا يقدم على قوله عليه الصلاة والسلام قول أحد كائناً من كان.
وللأسف فإن التربية السفلية أيضاً فيها التقليد المذهبي، والتربية الدينية في بعض الأوقات أيضاً تغرس موضوع حب التقليد والاعتزاز بالتقليد! والتقليد صفة مذمومة وليس صفة ممدوحة، فلا تلجأ إليه إلا في ظروف معينة وبشروط معينة، فينبغي أن يحرض الناس ويربوا على التطلع إلى فهم الأدلة ومعرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، لا أن نحرض الناس على دنو الهمة ونقلد ونأخذ بقول غيرنا دون معرفة دليله.
حدثني أحد المشائخ الأفاضل وهو الشيخ رشاد الشافعي رحمه الله: أنه حضر وهو شاب مجلساً لأحد الشيوخ المالكيين، وكان هذا الشيخ يربي تلامذته ويعلمهم، وإذا أراد أن يعلمهم الوضوء علمهم كيف كان يتوضأ الإمام مالك، وإذا صلى علمهم كيف كان يصلي مالك، وكيف كان يعمل مالك أو حج أو اعتمر أو زوج أو طلق أو خطب، فربطهم دائماً بالإمام مالك رحمه الله تعالى! فانظر إلى خطورة الأمر على العوام، فقد وصل الأمر في أحد هذه المجالس التي كان الشيخ يتكلم فيها بهذه الطريقة أن بعض العوام قطع الدرس وقال له: يا سيدنا الشيخ! هل سيدنا النبي كان قبل مالك أو الإمام مالك قبل؟!! فمن الذي بعث قبل الآخر؟!! فوصل الأمر بهذه الهيئة إلى أن الواحد منهم يتصور أن مالكاً نبي مثل محمد عليه الصلاة والسلام.
هذه هي نتيجة التربية التي تربطنا بأن القدوة هو الإمام مالك أو الشافعي أو غيرهما.
محبة الأئمة واحترامهم دين نتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، ولا نخرج عن أقوالهم، لكن نحن نتكلم على أن القدوة يجب أن يكون هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].
ولذلك أحد مشائخنا من أنصار السنة حفظهم الله قال: إنه لما جاء المأذون يعقد له قال: على مذهب أبي حنيفة، فقال: أنا أريد أن أتزوج على المذهب الذي تزوج عليه أبو حنيفة، وأبو حنيفة على أي مذهب تزوج؟ تزوج على المذهب المتبع للرسول عليه الصلاة والسلام.
فينبغي لطالب العلم أن يستفز همته لكي ينتقل من وحل التقليد إلى اتباع الأدلة.
ونحن نرفض هذا الذي يحصل من بعض طلاب العلم من سب الأئمة أو التطاول عليهم أو التقليل من شأنهم، فهذا كله من القدح، لكننا ندعو إلى ما دعا إليه أئمة السلف من عدم التقليد، كما قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى: إن المقلد بإجماع العلماء ليس معدوداً من أهل العلم.