للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرف نفس الأبيوردي]

ومن شرف النفس ومعرفة قدرها قول الأبيوردي -وهو من بني أمية من الشخصيات الفذة في التاريخ الإسلامي، ومن أكابر الناس في علو الهمة-: رأت أميمة أطماري وناظرها يعوم في الدمع منهلاً بوادره وما درت أن في أثنائها رجلاً ترخى على الأسد الضاري غدائره أغر في ملتقى أوداجه صيد حمر مناصله بيض عشائره إن رث بردي فليس السيف محتفلاً بالغمد وهو وميض الغرب باتره وهمتي في ضمير الدهر كاملة وسوف يظهر ما تخفي ضمائره والأطمار: جمع طمر، وهو الثوب الخلق البالي، يعني: نظرت إليه أميمة وهي تبكي لرثاثة ثيابه وبذاذة هيئته، يقول: (رأت أميمة أطماري وناظرها -يعني عينها- يعوم في الدمع) من كثرة الدموع (منهلاً بوادره) أي: تتسابق قطرات الدموع وراء بعضها.

(وما درت أن في أثنائها رجلاً) يعني: ما كان ينبغي لها أن ترثي لحالي بسبب ما علي من الثياب الرثة؛ لأنها لا تدرك أن في داخل هذه الثياب رجلاً (ترخى على الأسد الضاري غدائره) جمع غديرة، وهي: الذؤابة المظفورة من الشعب، ثم قال عن نفسه: (حمر مناصله) جمع منصل، والمنصل هو السيف، يعني: دائماً سيفه ملون باللون الأحمر -لون الدماء- من شدة بأسه في القتال، وقوله: (بيض عشائره).

العشائر جمع عشيرة، وعشيرة الرجل بنو أبيه الأقربون وقبيلته، ويقال: فلان أبيض: أي: نقي العرض.

فهو يمدح نفسه هنا بقوله: (حمر مناصله بيض عشائره) يعني: أنقياء الأعراض.

وقوله: (إن رث بردي) يعني: بلي.

والبرد هو الكساء المخطط الذي يلتحف به إن كان عليه ثياب رثة، يقول: (إن رث بردي فليس السيف محتفلاً بالغمد) يعني: السيف لا يهتم ولا يأبه بالغمد فلنفرض أن سيفاً حاداً باتراً قاطعاً صارماً لكنه موجود في جراب أو غمد بالي من الجلد القديم، فهل هذا يضر السيف؟! لا، هذا هو ما يعنيه الشاعر بقوله: إن رث بردي فليس السيف محتفلاً بالغمد وهو وميض الغرب باتره والغرب هو أول كل شيء وحده، يقال: غرب السيف: أي: حد السيف.

وغرب السكين وغرب الفأس: الجانب الحاد منهما، ويقال: سيف غرب أي: قاطع حاد.

والوميض اللمعان، والباتر القاطع.

ثم يقول: وهمتي في ضمير الدهر كاملة وسوف يظهر ما تخفي ضمائره

<<  <  ج: ص:  >  >>