هذا سؤال وصلني لكن لا أجد طريقة للوصول إلى الشخص الذي أرسل هذا السؤال، فلشدة خطورته ننبه عليه، وهو أن شاباً من الشبان تعرف على فتاة ويبدو أنه تدين منذ قريب، فصار متديناً أو ملتزماً ثم لما تقدم إلى أبيها رفضه أبوها، ويبدو أن أباها رفضه بسبب الدين، وبسبب التزامه، فالسؤال: هل يمكن أن تتزوجه بدون موافقة وليها؟
الجواب
بلغني أن بعض الناس الذين تجرءوا على الفتوى بدون علم فتحوا هذا الباب من الشر، وقالوا للأخ: مادام أن أباها رفض بسبب دينك فلك أن تتزوجها، ومثل هذه القضايا هي في غاية الحساسية وغاية الخطورة؛ لأن الأصل الأصيل والمقطوع به في الشريعة والمطابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد كلام الله عز وجل في القرآن الكريم هو: لا نكاح إلا بولي، والأدلة على ذلك كثيرة، فلا يجوز أبداً بحال من الأحوال الزواج بدون ولي، صحيح أن الشريعة احترمت إرادة المرأة، واعتبرت حقها الأدبي في الموافقة على الزوج إذا كانت بالغة، لكن مع احترام إرادتها ليس لها أن تزوج نفسها، بل لا بد أن الذي يلي تزويجها هو وليها الشرعي.
وليس هذا فحسب، بل بجانب سلطة الولي الشرعي في أن يزوجها أو لا يزوجها فإن هذا الولي مطالب بأن ينظر في أن يحترم أيضاً ضوابط ومقاييس الشريعة، لا أن يبحث في هواه هو بعيداً عن مصلحة ابنته وعن أولويات الدين، فإذا حصل منه ذلك، ووجد قضاء شرعي؛ فإن هذه البنت تفزع إلى القاضي فيمكنها من التزويج؛ لأن هذا يعتبر نوعاً من العضل.
أما أننا في مثل هذه القضايا الخطيرة نسمع الكلام من طرف واحد، ولا ننصت إلى كلام الولي نفسه فهذا بلا شك قد يوقعنا في جور وتعدٍ لحدود الله سبحانه وتعالى، فلا بد من التثبت من أشياء كثيرة، ولا ننصح بحال من الأحوال أن تفزع أخت أبداً مهما زين لها هذا الفعل أن تتزوج بدون إذن وليها.
ومثل هذه الفتوى أعتقد أن فيها جرأة على الله سبحانه وتعالى، وجرأة على دين الله، أعني: أن يفتح باب أن البنت تزوج نفسها بهذه الصورة بحجة أن أباها رفض هذا الخاطب؛ لأن الغالب أن الأب يبحث عن مصلحة ابنته، وهي نتيجة أنها تحكم العاطفة فقط، وليس عندها خبرة في الحياة، ولا معرفة بالناس؛ لأنها لا تجالس الرجال، ولا تعرف طبائع الناس، فهي محصورة عن معرفة ما آل إليه حال الناس وخداعهم.
ثم إن البنت التي تلي تزويج نفسها تشعر بوقاحتها، وأنها قليلة الحياء، فشرع الله سبحانه وتعالى أن يتولى ذلك أبوها، رعاية لحقها؛ لأن الأب كل همه أن يضمن لها الاستقرار بقدر المستطاع، لا أن يكبلها، هذا هو الأصل في الآباء، صحيح أن هناك شواذ لكن القاعدة: أن الأب أدرى الناس بمصلحة ابنته، وأنه ينظر في مصالحها، وأنه أقدر على حسم هذه الأمور منها هي، وأنه لا يريد بها إلا خيراً، هذا هو الأصل وهذه هي القاعدة، فنرجو ألا يسمع ولا ينصت على الإطلاق لأي أحد يفتى بالجرأة في هذا الباب، ثم بعدما يتبعون أهواءهم يفزعون إلى أبي حنيفة ويقولون: إن أبا حنيفة أجاز ذلك، وغير ذلك من الكلام، وليس في هذا إلا مجرد أنه يتشهى بانتقاء الأقوال التي توافق مآربه، فنرجو ألا يفتح هذا الباب هنا في بلادنا أو في أي مدينة أخرى بأي حال من الأحوال حتى لا يصبح الأمر فوضى بحجة أن الأب لا يريد زوجاً متديناً، فهذا صعب أن نحكم عليه أو نصدقه ويحتاج إلى كثير من التحري قبل الكلام في مثل هذه الأمور.