للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصوص من الكتاب والسنة تحذر من التطلع للدنيا وإيثارها على الآخرة]

يقول تبارك وتعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:٢٠٠].

وبين تبارك وتعالى أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقة، فقال عز وجل: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤] قوله: (الحيوان) المقصود به الحياة.

ولذلك شنع سبحانه وتعالى على الذين يفضلون الدنيا على الآخرة ويشتغلون بها عنها، فقال سبحانه وتعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:١٦ - ١٧].

وقال أيضاً: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة:٢٠ - ٢١].

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان:٢٧].

وقال أيضاً: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٧ - ٣٩].

وقال سبحانه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:٧٠].

وحذر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم من التطلع إلى زهرة الدنيا، فقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:١٣١].

وقال سبحانه للمؤمنين: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٩].

وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، أفكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني) وهذا رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن خزيمة.

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها) يعني أن الذي يخاف من النار لا يمكن أن يهنأ بالنوم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً) رواه ابن ماجة وهو حديث حسن كسابقه.

وقوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:١٣١].

قال النسفي في تفسيره: ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعُدَد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم.

يعني: عندما نتكلم عن غض البصر فأغلبنا يفهم أن المقصود غض البصر عن المحرمات وعن النساء وعن العورات، لكن أيضاً هنا أمر بغض البصر، لكن بطريق النهي عن عكسه، وهو النهي عن مد العين إلى زهرة الحياة الدنيا، فهذا أمر بغض البصر عن زينة أصحاب الدنيا، لأنك إذا أطلقت بصرك إليها قد تؤثر في قلبك، وليس هذا فحسب، بل العلماء يوصون المسلم ألا يملأ عينيه من الظلمة والجبابرة والطواغيت وأعداء الدين والفنانين وهؤلاء الناس الذين يصدون عن سبيل الله؛ لأن هذا سيطبع أثراً في قلبك، كلما بعدت عينك عن النظر لهؤلاء الفسقة والمجرمين والفنانين والطواغيت كان أسلم لقلبك على الأقل؛ لأنك تخرج قلبك بذلك عن دائرة تأثيرهم.

فهذه نصيحة عابرة حتى لا يحاول الإنسان أن يطلق بصره إلى الظالمين، سواء في مناظرهم المصطنعة التي فيها إظهار لتعظيمهم وتبجيلهم، وما عندهم من مضخمات الصوت في القاعات والأضواء والفلاشات وكل هذه الأشياء، بل التفت عن هذا: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:١٣١ - ١٣٢].

ولذلك كان الواحد من السلف إذا قام أحد من الظلمة ليستعرض بالعساكر وبالحرس يغض بصره ويفزع إلى بيته، وأول ما يدخل البيت يقول: يا أهلاه صلوا صلوا؛ امتثالاً للآية: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه:١٣١] ثم قال بعدها مباشرة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه:١٣٢].

فكان يفعل ذلك.

فالنصيحة أن يحفظ كل منا بصره عن النظر إلى صور الظالمين، سواء في الجرائد أو في التلفاز أو في غير ذلك.

هذا أحد الإخوة حدثني قريباً أنه في أحد الأحياء هنا قريباً خرج واحد من هؤلاء الممثلين أو الفنانين وظهر بطلعته البهية، فتزاحم عليه النساء من الشرفات والرجال والباعة، وكل الناس أصبحوا يتهافتون حتى أحدثوا زحاماً شديداً في الشارع؛ كي يحظوا بإلقاء نظرة على هذا الشخص، فينبغي ألا تستخفنا هذه المظاهر الكاذبة؛ لأن إطلاق النظر في وجوه الظالمين والفسقة يؤثر في القلب، ألا ترى أم جريج العابد، لما أرادت أن تدعو على ابنها جريج دعت عليه بألا يموت حتى يرى وجوه الزانيات، فالنظر إلى وجوه المجرمات الفاسقات عقوبة.

يقول الحسن: لا تنظروا إلى هملجة الفسقة، ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرقاب.

أي: لا تغرنكم المناظر والهيلمان، لكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرقاب.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه) يعني: وما أحبه الله مما يجري في الدنيا.

(وعالماً أو متعلماً).

حسبنا أن هذه الدنيا وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها باطل، وذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).

<<  <  ج: ص:  >  >>