يقول الإمام الجليل المطلبي القرشي الشافعي رحمه الله تعالى: علي ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أعز وأكبرا وما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضباً حيث وجهته برى فهل هذا من الغرور؟! هذا ليس من الغرور، بل هذا من معرفة الإنسان قدر نفسه، وهذا من شرف النفس وصيانتها، ومعنى قوله:(وما ضر نصل السيف إخلاف غمده) أي: لا يضر حد السيف الباتر أن يكون الغمد أو الجراب خلقاً وبالياً ورثاً، وقوله:(عضباً) أي: حاداً قاطعاً، (حيث وجهته برى) يعني شق وقطع.
والإمام الشافعي رحمه الله تعالى بخبرته العظيمة في النفوس البشرية وطبائعها هو القائل: ما رفعت أحداً فوق منزلته إلا حط مني بمقدار ما رفعت منه.
يعني أنه يجب أن يعامل الناس بأقدارهم.
ويقول أيضاً رحمه الله تعالى: إذا المشكلات تصدين لي كشفت حقائقها بالنظر لسان كشقشقة الأرحبي أو كالحسام اليماني الذكر ولست بإمعة في الرجال أسائل هذا وذا ما الخبر لكنني مزرة الأصغرين جلاب خير وفراج شر يريد أنه يعرف قدر نفسه، ويعرف أنه إنسان مؤثر محرك، وليس متحركاً أو منفعلاً لفعل غيره به، أو إمعة يتابع الناس على أقوالهم ولا يدري ما حوله حتى يحتاج إلى أن يسائل هذا وذا: ما الخبر.
فهو يعتز بنفسه، أو -بعبارة أصح- يثق بنفسه، فيقول:(إذا المشكلات تصدين لي كشفت حقائقها بالنظر) أي: بالتدبر، (لسان كشقشقة الأرحبي)، والشقشقة شيء يخرج من فم البعير كالرئة إذا هاج، وتستعمل هذه الكلمة في التعبير عن القدرة على الخطابة والبيان، فيصف لسانه بأنه كشقشقة الأرحبي، والأرحبي نسبة إلى قبيلة أرحب، وهي بطن من همدان، وإليها تنسب الإبل الأرحبية، وقوله:(ولست بإمعة في الرجال) الإمعة أو الإمع هو الرجل الذي يتابع كل أحد على رأيه، ولا يثبت هو على شيء، لكنه يتجول ويتردد بين آراء الرجال، يقول:(ولكنني مزرة الأصغرين) والمزره هو السيد الشريف والمقدم عند الخصومة والقتال، وقوله:(الأصغرين) يقصد بهما القلب واللسان، (جلاب خير وفراج شر) يعني: يجلب الخير للناس كثيراً، وكذا يدفع عنهم الشرور.
ويقول الحريري: وفضيلة الدينار يظهر سرها مع حكه لا من ملاحة نقشه فإذا أراد الإنسان أن يختبر الدينار من الذهب ليعرف هل هو صحيح أو مزيف فإنه يعرف ذلك بأن يلمسه بأصابعه كي يختبر قوة نقشه، فإن كان مزيفاً فإنها تزول، وإن كان جيداً فإنها تثبت، فيقول الحريري: وفضيلة الدينار يظهر سرها من حكه لا من ملاحة نقشه ومن الغباوة أن تعظم جاهلاً لصقال ملبسه ورونق رقشه أو أن تهين مهذباً في نفسه لدروس بزته ورثة فرشه ورقشة هو نقشه، وبزته ملابسه.