لقد رأينا في التاريخ الماضي حلقاً كثيرة جداً تثبت وتجسد لنا أعراض هذا المرض الخطير، فمثلاً: كان الجندي التتري يأمر المسلم الذي سقطت همته أن يبقى في مكانه؛ حتى يعود فيقتله! فسقوط الهمة أعظم وأخطر ما يظهر في حالات الحروب والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
كما رأينا نماذج في علو الهمة في جهاد الصحابة والسلف الصالح رضي الله تعالى عنهم، وكيف أناروا الدنيا مشارقها ومغاربها بجهادهم في سبيل الله، لكن لما ترك المسلمون الجهاد ذلوا، حتى حكي في كتب التاريخ أن الجندي التتري كان يأمر المسلم الذي سقطت همته أن يقعد في مكانه، ثم يغيب التتري، ويظل المسلم جالساً مكانه لا يتحرك ولا يفكر حتى في مجرد الهروب من شدة ضعف الهمة؛ حتى يذهب هذا التتري ليحضر حجراً، ثم يعود فيشدخ به رأس المسلم، ويقتله بهذا الحجر، وهو جالس منتظراً الموت! فإن كنت ميتاً ومقتولاً فإذاً قاوم، أو حتى حاول أن تفر أو تهرب، لكن وصل الحد إلى أن يجلس منتظراً التتري إلى أن يذهب ويحضر الحجر -لأنه ليس معه سلاح- ويعود ليشدخ به رأس المسلم ويقتله بذلك، وهو لا يحرك ساكناً.
إلى أن ينجز التتري ما أوعده! وحين نقفز إلى عصرنا الحاضر ونبحث أين سقوط الهمة فسنرى سقوط الهمة في هذا الزمان، والجراح كثيرة جداً سواء في حرب (١٩٤٨م) مع اليهود في فلسطين، والخيانات التي حصلت فيها، أو في حرب (١٩٦٧م) لما حصلت مسابقة في اختراق الضاحية في أرض سيناء، والجنود هربوا وولوا بالصورة المخزية التي عرفناها.
وهكذا في حرب الخليج الثانية رأينا ذلك المشهد التمثيلي المخزي حينما ركع الجندي العراقي أمام نعلي الجندي الأمريكي، وجعل يقبلهما ويتمسح بهما، ويطلب من الجندي الأمريكي العفو والصفح، لكن الجندي الأمريكي وحتى يعطي العالم درساً في التسامح ظل يمسح على كتفه وعلى رأسه، ويقول له: لا بأس! أنت بخير، فلا تقلق، ولا تجزع! ونشروها في كل العالم على أنه هذا نموذج من نماذج التسامح والأخلاق الأمريكية، ولا شك أن هذا أيضاً من أعراض مرض سقوط الهمة.