[دعوة الأنبياء واحدة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأرسل الله الرسل تأمرهم بترك عبادة كل ما سواه، وتبين أن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل، وأن التقرب إليهم باطل، وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده.
وهذا هو توحيد العبادة] توحيد العبادة هو: إفراد الله بالعبادة.
قال: [وقد كانوا مقرين -كما عرفت في الأصل الرابع- بتوحيد الربوبية، وهو: أن الله هو الخالق وحده، والرازق وحده.
ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم -وهو نوح عليه السلام- إلى آخرهم -وهو محمد صلى الله عليه وسلم- هو توحيد العبادة.
ولذا تقول لهم الرسل: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:٢].
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩].
وقد كان المشركون منهم من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد، ومنهم من يعبد أحجاراً ويهتف بها عند الشدائد] وهي في الأصل صور رجال صالحين، كانوا يحبونهم ويعتقدون فيهم، فلما هلكوا صوروا صورهم تسلياً بهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم، ثم زاد الأمد طولاً فعبدوا الأحجار، ومنهم أيضاً من يعبد المسيح، ومنهم من يعبد الكواكب ويهتف بها عند الشدائد.
قال: [فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى عبادة الله وحده، بأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية، أي: بربوبية السماوات والأرض، وأن يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة: (لا إله إلا الله) معتقدين لمعناها، عاملين بمقتضاها، وألا يدعوا مع الله أحداً].
قوله: (ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم وهو نوح عليه الصلاة والسلام) نوح هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك، وبعثه الله إلى بنيه وغير بنيه، وما كان قبله إلا أنبياء، أولهم آدم الذي كان نبياً إلى بنيه، ولم يقع الشرك في زمانه، وإنما وقعت المعصية، وهي قتل قابيل أخاه هابيل، ومضت عشرة قرون وكلهم على التوحيد، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس:١٩] قال ابن عباس: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد، ثم اختلفوا فوقع الشرك، فبعث الله نوحاً).
وقبله كان شيث، وكذلك آدم، إلا أنهم لم يرسلوا إلى قوم شرك، فآدم أرسل إلى بنيه، وأما نوح فأرسل إلى بنيه وغير بنيه، وأرسل بعد وقوع الشرك، ولهذا كان نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك، وآخرهم نبينا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكلهم دعوتهم واحدة؛ فهم يدعون الناس إلى توحيد الله، وإفراد الله بالعبادة، وينهونهم عن الشرك.
ولهذا كانت تقول لهم الرسل: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:٢].
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩].
وقد كان المشركون يعبدون عبادات متنوعة كما قال المؤلف رحمه الله: (منهم من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد، ومنهم من يعبد أحجاراً يهتف بها عند الشدائد) وكان منهم أيضاً من يعبد الصالحين، ومنهم من يعبد الأنبياء، ومنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد النجوم والكواكب.
قوله: (فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى عبادة الله وحده، بأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية) يعني: كما وحدوا الله في الربوبية فعليهم أن يوحدوا الله في الألوهية.
وقوله: (بربوبيته السماوات والأرض، وأن يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة: (لا إله إلا الله) معنى ومؤدى كلمة (لا إله إلا الله) هو التوحيد، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.
وقوله: (معتقدين لمعناها) أي: إثبات العبادة لله، ونفي العبادة عن غير الله.
وقول المؤلف رحمه الله: (عاملين بمقتضاها) مقتضاها: أداء الواجبات وترك المحرمات، وألا يدعو مع الله أحداً.