قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا يبين ما فعله المشركون الذين حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}[الأنعام:١٣٦]، وقال:{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ}[النحل:٥٦].
فهؤلاء القبوريون والمعتقدون في جهال الأحياء وضلالهم سلكوا مسالك المشركين حذو القذة بالقذة، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقد إلا في الله تعالى، وجعلوا لهم جزءاً من المال، وقصدوا قبورهم، من ديارهم البعيدة للزيارة، وطافوا حول قبورهم وقاموا خاضعين عند قبورهم، وهتفوا بهم عند الشدائد، ونحروا تقرباً إليهم، وهذه هي أنواع العبادات التي عرفناك.
ولا أدري هل فيهم من يسجد لهم؟ لا أستبعد أن فيهم من يفعل ذلك، بل أخبرني من أثق به أنه رأى من يسجد على عتبة باب مشهد الولي الذي يقصده تعظيماً له وعبادة.
ويقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف من عليه حق باسم الله تعالى لم يقبلوا منه، فإذا حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه، وهكذا كان عباد الأصنام {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:٤٥]، وفي الحديث الصحيح:(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)].
يقول المؤلف: وهذا يبين ما فعله المشركون الذين حكى الله ذلك عنهم، أي: يبين أن ما فعله هؤلاء القبوريون مثل ما فعله المشركون الذين حكى الله عنهم في سورة الأنعام بقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}[الأنعام:١٣٦] أي: يجعلون لشركائهم نصيباً من الأصنام، والقبوريون فعلوا مثل فعلهم، فجعلوا نصيباً لصاحب القبر ونصيباً لله، وقد قال الله تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ}[النحل:٥٦].
يقول المؤلف: فهؤلاء القبوريون والمعتقدون في جهال الأحياء وضلالهم سلكوا مسالك المشركين حذو القذة بالقذة، والقذة هي: ريش السهم، والمعنى: أنهم نهجوا نهجهم دون انحراف أو تغيير، سواء بسواء، كما تشبه ريشة السهم الريشة الأخرى دون زيادة أو نقصان، فهؤلاء القبوريون الذين يعتقدون في أصحاب القبور النفع والضر سلكوا مسلك عباد الأصنام حذو القذة بالقذة، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقد إلا في الله، فاعتقدوا أنهم ينفعون ويضرون من دون الله، ويقربونهم إلى الله، ويشفعون لهم، ويجلبون لهم الرزق، ويردون الغائب، ويشفون المريض.
وهذا لا يعتقد إلا في الله، ومع ذلك اعتقدوا فيهم هذا الاعتقاد، وجعلوا لهم جزءاً من المال، كما جعل عباد الأصنام لأصنامهم، وقصدوا قبورهم من ديارهم البعيدة للزيارة، وطافوا حولها، وقاموا خاضعين عندها، وهتفوا بأصحابها عند الشدائد، ونحروا لهم تقرباً إليهم.