للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على قولهم بأنهم يصلون ويصومون وإن فعلوا تلك الأفعال]

أما قولهم: إن هؤلاء يصلون ويزكون ويحجون، بخلاف المشركين، فنقول لهم: إذا كان هذا يصلي ويزكي ويحج ويقول: لا إله إلا الله، ثم فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بطلت الصلاة والزكاة والصوم والحج، وبطل التوحيد؛ لفعله ناقضاً من نواقض الإسلام، فلو قال: لا إله إلا الله، وكان يصلي ويزكي ويحج، ثم سب الله، هل تنفعه الصلاة والزكاة والصوم والحج؟ لا تنفعه، وهل تنفعه إذا سب الرسول، أو سب دين الإسلام، أو قال: الصلاة ليست واجبة، أو هي مجرد رياضة فمن أحب أن يصلي فليصل، ومن لم يحب أن يصلي فلا؟ فهذا ولو لم يترك الصلاة فإنه يكفر، وكذا إن أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة كأن يقول: الربا، أو الزنا، أو الخمر، أو عقوق الوالدين حلال، فإنه يكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، بخلاف ما إذا أنكر شيئاً مختلفاً فيه فلا يكفر.

قال المؤلف رحمه الله: قلت: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا بحقها، وحقها: إفراد الإلهية والعبودية لله تعالى.

والقبوريون لم يفردوا الإلهية والعبادة، فلم تنفعهم كلمة الشهادة.

قوله عليه الصلاة والسلام: إلا بحقها، المراد: أداء الواجبات وترك المحرمات، والأقرب في الجواب أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) مراده: عارفين لمعناها، عاملين بمقتضاها، وهذا لابد منه، فليس مجرد قولها باللسان يكفي المسلم، فلابد من الالتزام بحقوقها، فالقبوريون لم يفردوا الإلهية، أي: لم يقوموا بحقها من أداء الواجبات وعلى رأسها التوحيد، واجتناب المحرمات وعلى رأسها الشرك، فهذه الكلمة لابد فيها من معرفة المعنى، والعمل بالمقتضى، والبعد عما يناقضها، وإذا عرف معناها يكون قائلهاً عاملاً بمقتضاها ولابد، وإلا لم تنفعه؛ فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها، كما لم ينفع اليهود قولها؛ لإنكارهم بعض الأنبياء، أي: أن اليهود يقولون: لا إله إلا الله، لكن لا تنفعهم؛ لأنهم لم يقروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ناقض من نواقض الإسلام.

ولهذا نفى الله إيمان اليهود به، وأمر قتلهم في قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩].

فنفى الله الإيمان عنهم، وجعل إيمانهم إيماناً لاغياً لا قيمة له؛ لأنهم فعلوا ناقضاً من نواقضه، فلم يقروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا كما لم ينفع اليهود قولها لإنكارهم بعض الأنبياء، وكذلك من اتخذ غير من أرسله الله نبياً لم تنفعه كلمة الشهادة، كأن يقر بنبوة مسيلمة أو الأسود العنسي أو غيرهم ممن ادعى النبوة كفر، ولو كان يصلي، ويصوم، ويزكي، ويقول لا إله إلا الله فلا تنفعه، بل تبطل أعماله كلها، لماذا؟ لأنه فعل ناقضاً من نواقض الإسلام.

ثم ذكر المؤلف أمثلة لهذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>