ما الرد على من يقول: إنه يعذر بالجهل في باب الاعتقاد، مستدلين بحديث الرجل الذي أمر أولاده أن يحرقوه بعد موته؟
الجواب
الجهل ليس كل أحد يعذر به، فالتوحيد الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه لا يعذر بتركه أحد، فمن فعل الشرك وهو يعيش بين المسلمين كأن دعا غير الله، أو ذبح لغيره لا يعذر، إنما يعذر في هذا أهل الفترات الذين كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، وقد بعث الرسول، وقال سبحانه:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:١٩]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر أحد أن يذبح لغير الله في بلاد المسلمين، ولا يعذر لكونه لا يقبل النصيحة، كأن يصم أذنه؛ لكيلا يسمع الحق والقرآن والنصوص الشرعية، فهذا ليس له عذر، إنما الذي يعذر في المسائل الدقيقة الخفية التي يجهل مثلها، كأن يكون في بلاد بعيدة لم يسمع بالإسلام، أو لم يسمع بأشياء خفية منه، مثل قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه، وفي بعض الروايات أنه طلب من بنيه بعد إحراقه أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، وقال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً.
هذا الرجل قال فيه العلماء: إنه ليس معانداً ولا مكابراً ولا مكذباً ولكنه جاهل، هو يؤمن بالبعث، ويؤمن بقدرة الله، ويعلم أن الله يبعث الناس، ويقول إن الله لو بعثه لعذبه، فيؤمن بقدرة الله، لكنه أنكر كمال تفاصيل قدرته، فظن أنه إذا أحرق وذُر سيفوت على الله فلا يقدر على بعثه، والداعي له في ذلك ليس العناد أو التكذيب، وإنما هو الجهل مع الخوف العظيم، فاجتمع له أمران: جهل وخوف عظيم، فغفر الله له، وأما لو كان مكذباً بالبعث أو عالماً بحرمة فعله أو معانداً لربه فلا ينفعه خوفه منه، هكذا قرر شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم.
ومن العلماء من قال: إن هذا في شرع من قبلنا، فلا يكون دليلاً على العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد، لكن ما قدمناه هو الصواب.