يقول المؤلف: فإن قلت: لا سواء، -هذه شبهة- لأن هؤلاء قد قالوا: لا إله إلا الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، وقال لـ أسامة بن زيد رضي الله عنه:(لم قتلته بعدما قال لا إله إلا الله) وهؤلاء يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، بخلاف المشركين.
أورد المؤلف شبهة، وهي: إذا قلت: أيها القبوري! إن هؤلاء القبوريين يختلفون عن عباد الأصنام السابقون فليسوا سواء، فعباد الأصنام السابقين لا يقولون: لا إله إلا الله، ولا يصلون ولا يزكون ولا يحجون، وأما عباد القبور فهم يقولون: لا إله إلا الله، ويصلون ويزكون ويحجون.
وكذلك أيضاً من شبههم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).
ومن الشبه التي يوردونها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أسامة بن زيد لما أراد قتل الكافر فقال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله أسامة، ظناً منه أنه إنما قالها تعوذاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟).
ومن الشبه التي يوردونها: أن هؤلاء يصلون ويزكون ويحجون بخلاف المشركين، وهذه رابع شبهاتهم التي أوردها المؤلف عنهم.
والجواب عن هذه الشبه أن يقال: إن الذي يقول: لا إله إلا الله، إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام فإنما تبطل هذه الكلمة لا إله إلا الله، فإذا كان الإنسان موحداً يصلي ويصوم ويزكي ويحج، لكن فعل الكفر، أو تكلم بكلمة الكفر، أو سب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب دين الإسلام، أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، كمن أحل الزنا، أو الخمر، أو أنكر وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو الحج: كفر، ولو قال لا إله إلا الله، فلا تنفعه؛ لأنها انتقضت، مثل: أن يتوضأ الإنسان ويحسن الوضوء ثم يخرج منه حدث كالبول أو الغائط أو الريح، فهل تبقى الطهارة أو تزول؟ لا شك أنها تنتهي وتزول، وما الذي أزالها وقد توضأ؟ إنه الحدث، فكذلك إذا قال لا إله إلا الله، ثم سب الله بطلت لا إله إلا الله وانتقضت بالكفر والردة والعياذ بالله، هذا خلاصة الجواب، أي: إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام لم تنفعه لا إله إلا الله، ولا صلاته ولا زكاته ولا صومه ولا حجه.
وأما حديث:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) فمعنى حتى يقولوا: لا إله إلا الله، أي: معتقدين لمعناها، عاملين بمقتضاها مبتعدين عما يناقضها، ثم قال:(إلا بحقها)، ومن حقها أداء الواجبات، وترك المحرمات، ومن حقها أيضاً: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فمن قال: لا إله إلا الله، وامتنع عن إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الحج، فإنه يقاتل حتى يؤدي حقوق لا إله إلا الله.
وأما قول النبي لـ أسامة لما قتل رجلاً وقد قال: لا إله إلا الله، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟! فهذا لأن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ويجب الكف عنه، وحينئذ ننظر: إن التزم بالإسلام فالحمد لله، وإن لم يلتزم وفعل ما ينقض هذه الكلمة قتل بعد ذلك، ولهذا قال العلماء: لو أدى الفرائض، أو تشهد، أو صلى، حكم بإسلامه، ثم بعد ذلك ننظر: إن التزم بمقتضيات إسلامه وتوحيده فالحمد لله، وإن فعل ما ينقض الإسلام قتل بعد ذلك مرتداً، لكن حينما يقول: لا إله إلا الله يجب الكف عنه.