للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شرك الرياء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل سمى الله تعالى الرياء في الطاعات شركاً، مع أن فاعل الطاعة ما قصد بها إلا الله تعالى، وإنما أراد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس، فالمرائي عبد الله لا غيره، لكنه خلط عبادته بطلب المنزلة في قلوب الناس، فلم يقبل له عبادة، وسماها شركاً، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

بل سمى الله تعالى التسمية بعبد الحارث شركاً، كما قال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠].

فإنه أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما حملت حواء -وكان لا يعيش لها ولد- طاف بها إبليس، وقال: لا يعيش لك ولد حتى تسميه عبد الحارث، فسمته فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره، فأنزل الله تعالى الآيات، وسمى هذه التسمية شركاً، وكان إبليس تسمى بالحارث).

والقصة في الدر المنثور وغيره].

يقول المؤلف رحمه الله: (بل سمى الله الرياء في الطاعات شركاً) يعني: كما قال الله في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) فسماه شركاً مع أن فاعل الطاعة ما قصد بها إلا الله تعالى، وإنما أراد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس، فالمرائي عبد الله لا غيره، لكنه خلط عبادته بطلب المنزلة في قلوب الناس، فلم يقبل الله له عبادة، وسماها شركاً.

والمرائي فيه تفصيل، والرياء ينقسم إلى نوعين: رياء أكبر، وهو رياء المنافقين الذين أسلموا ودخلوا في الإسلام نفاقاً، وهذا مخرج من الملة.

ورياء أصغر، وهو الرياء الذي يصدر من المؤمن في العبادات، في الصلاة أو الصيام أو غيرها من العبادات وهو لا يخرج العبد من الملة، وإنما يحبط العمل الذي قارنه إذا استرسل فيه، أما إذا طرأ في العبادة ودافعه واستعاذ بالله فلا يضره، وهذا فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن عبادته لا تبطل اعتماداً على نيته الأولى، ومنهم من قال: إنه لما استرسل فيه بطلت عبادته.

وقول المؤلف هنا ليس على إطلاقه، ولهذا قال المؤلف: [كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أغنى عن الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) بل سمى الله التسمية بعبد الحارث شركاً، كما قال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠].

فإنه أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما حملت حواء -وكان لا يعيش لها ولد- طاف بها إبليس، وقال: لا يعيش لكِ ولد حتى تسميه عبد الحارث، فسمته فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره، فأنزل الله الآيات، وسمى هذه التسمية شركاً، وكان إبليس يتسمى بالحارث).

وقصته في الدر المنثور وغيره].

هذه القصة سندها ضعيف ولا تثبت، لكن الآية كافية في هذا، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} [الأعراف:١٨٩].

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأعراف:١٨٩] أي: آدم، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف:١٨٩] أي: حواء، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [الأعراف:١٨٩] يعني: جامعها {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} [الأعراف:١٨٩] أي: ثقل الحمل، {دَعَوَا اللَّهَ} [الأعراف:١٨٩] آدم وحواء، {رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} [الأعراف:١٨٩] سليم الأعضاء، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} [الأعراف:١٨٩ - ١٩٠] أي: لما وضعت سليماً.

{جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠] وهذا الشرك إنما هو في التسمية لا في العبادة، كما قال: (جعلا له شركاء في التسمية لا في العبادة) وهذا لا يبعد أن يكون سبباً من الأبوين كما أكلا من الشجرة، فيكون ذنباً آخر، لكون الشيطان خدعهم مرة أخرى كما خدعهم في المرة الأولى، خدعهما فأكلا من الشجرة التي نهيا عنها، ثم خدعهما بعد ذلك بعد إهباطهما إلى الأرض فسمياه عبد الحارث، فأطاعاه في التسمية ولهذا قلنا: هذا شرك في التسمية لا في العبادة، فإنهم ما أطاعوه في العبادة، وإنما طاعوه في شرك التسمية.

ثم قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:١٩٠] قال كثير من المفسرين: هذا في الذرية.

أي: يشركون ما لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون.

فأول الآية: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠] أي: آدم وحواء جعلا له شركاء في التسمية، ثم قال الله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:١٩٠] أي: في ذرية بني آدم.

أما هذا الأثر فهو ضعيف عند أهل العلم.

وهذا نفس ما ساقه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، وهو قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠] ومقصوده: أن معنى الآية كاف، ويستفاد من الآثار التي وردت عن السلف -وإن كان في سندها ضعف-: أن الشرك الذي وقع منهما إنما هو في التسمية والطاعة لا في العبادة.

فمقصود المؤلف الفائدة، بقطع النظر عن صحة الآثار كما ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>