يقول المؤلف: فإن قلت هذه النذور والنحائر -وهي جمع نحيرة أي: الذبائح- ما حكمها؟ قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي -أي: الصحاري- من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك.
مراد المؤلف: أن هذه النذور والذبائح التي تنذر لصاحب القبر، فيذبح له، وتدفع إليه الأموال، لماذا يدفعها أصحابها؟ يقول: ما دفعها أحدهم إلا لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق التعظيم والعبادة، وهذا الاعتقاد كفر؛ لأن الأموال عزيزة، كما يقال: المال شقيق الروح، والأموال يجمعها صاحبها ويتعب، ثم يلقيها بسهولة عند صاحب القبر، كلا، فلا يمكن أن يلقيها جزافاً، بل يلقيها لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق هذا التعظيم، وأنه تصرف له العبادة، فيكفر بهذا الاعتقاد، فإن الأموال عزيزة عند أهلها ويحبونها، قال تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات:٨]، وقوله سبحانه:{وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}[محمد:٣٦ - ٣٧]، فإذاً يتبين أن حكم النذور والنحائر التي تنحر عند القبور شرك.