[بعض الأمثلة على ما يقوم به السحرة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد ملأ سحرة فرعون الوادي بالثعابين والحيات حتى أوجس في نفسه خيفة موسى عليه السلام، وقد وصفه الله بأنه سحر عظيم، والسحر يفعل أعظم من هذا؛ فإنه قد ذكر ابن بطوطة وغيره أنه شاهد في بلاد الهند قوماً توقد لهم النار العظيمة، فيلبسون الثياب الرقيقة ويخوضون في تلك النار، ويخرجون وثيابهم كأنها لم يمسها شيء، بل ذكر أنه رأى إنساناً عند بعض ملوك الهند أتى بولدين معه، ثم قطعهما عضواً عضواً، ثم رمى بكل عضو إلى جهة فرقاً حتى لم ير أحد شيئاً من تلك الأعضاء، ثم صاح وبكى، فلم يشعر الحاضرون إلا وقد نزل كل عضو على انفراده وانضم إلى الآخر، حتى قام كل واحد منهما على عادته حياً سوياً.
ذكر هذا في رحلته، وهي رحلة بسيطة، وقد اختصرت، طالعتها بمكة عام ست وثلاثين ومائة وألف، وأملاها علينا العلامة مفتي الحنفية في المدينة السيد محمد بن أسعد رحمه الله].
يقول المؤلف رحمه الله: السحر الآن معروف من قديم، وقد انتشر السحر في زمان موسى عليه الصلاة والسلام في مدائن مصر وقصر فرعون، فأرسل الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام فكذبه فرعون، وحصلت بينه وبين السحرة مناظرة وأعطى الله موسى العصا فصارت حية أكلت جميع ثعابين السحر التي وضعها هؤلاء في الوادي كله، قال الله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:٦٩].
ولهذا قال المؤلف: وقد ملأ سحرة فرعون الوادي بالثعابين والحيات، وجعلوا فيها الزئبق، وصارت تتلوى، حتى أوجس في نفسه خيفة موسى، قال الله: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه:٦٨]، وقد وصفه الله بأنه سحر عظيم، قال: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:١١٦].
والسحر يفعل أعظم من هذا، ثم ذكر القصة التي ذكرها ابن بطوطة وغيره، وابن بطوطة هذا معروف أنه ليس بمحقق، وأنه قد كذب على شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر في الحاشية حيث قال: إن شيخ الإسلام ابن تيمية مشبه.
وقال: إني أدركت ابن تيمية يخطب ويقول: إن الله ينزل مثل نزولي عن هذا المنبر، فهو ما أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية، وإنما لما دخل البلاد كان شيخ الإسلام مسجوناً في ذلك الوقت، ولكن هذه القصة التي ذكرها ابن بطوطة هي من أفعال السحر وقد تكون صحيحة، وليس كل ما ذكره ابن بطوطة صحيحاً، فقد يكون بعضه صحيحاً وبعضه غير صحيح، فقد تكون هذه القصة صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، ولا يستغرب من السحرة أنهم يفعلون مثلما ذكر ابن بطوطة، يقول: شاهد في بلاد الهند قوماً توقد لهم النار العظيمة، فيلبسون الثياب الرقيقة ويخوضون في تلك النار، ثم يخرجون منها وثيابهم كأنها لم يمسها شيء.
وهذا شيء معروف، فإنهم يدخلون النار أمام الناس، ويأكلون المسامير، ويشقون بطونهم أمام الناس، كل هذه من أفعال السحرة؛ لأنهم يسحرون أعين الناس.
ويقول: إنه ذكر أنه رأى إنساناً عند بعض ملوك الهند أتى بولدين معه ثم قطعهما عضواً عضواً، ثم رمى بكل عضو إلى جهة فرقاً حتى لم ير أحد شيئاً من تلك الأعضاء، ثم صاح وبكى، فلم يشعر الحاضرون إلا وقد نزل كل عضو على انفراده وانضم إلى الآخر، حتى قام كل واحد منهما على عادته حياً سوياً.
فهذا إما أنه سحر أعين الناس ولم يقطعها، وإما أنه قطع أشياء غير الشخص هذا، يقول: ذكر هذا في رحلته، وهي رحلة بسيطة اختصرتها، وذكر أن هذه قصة طالعها في مكة عام ست وثلاثين ومائة وأنه أملاها عليه العلامة مفتي الحنفية في المدينة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الأغاني لـ أبي الفرج الأصبهاني بسنده: أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج، فرآه جندب رضي الله عنه فذهب إلى بيته فاشتمل على سيفه، فلما دخل الساحر في البقرة، قال جندب: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء:٣]، ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر معها، فانذعر الناس، فحبسه الوليد وكتب بذلك إلى عثمان رضي الله عنه، وكان على السجن رجل نصراني، فلما رأى جندباً يقوم الليل ويصبح صائماً قال النصراني: والله إن قوماً هذا شرهم لقوم صدق، فوكل بالسجن رجلاً ودخل الكوفة، فسأل عن أفضل أهلها، فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه فرأى أبا محمد - يعني: الأشعث - ينام الليل ويصبح فيدعو بغدائه، فخرج من عنده وسأل: أي أهل الكوفة أفضل؟! فقالوا: جرير بن عبد الله، فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه، فاستقبل القبلة فقال: ربي رب جندب، وديني دين جندب وأسلم.
وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى بمغايرة في القصة، فذكر بسنده إلى الأسود: أن الوليد بن عقبة كان يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس رجل ثم يصيح به فيقوم صارخاً، فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله! يحيي الموتى.
ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان من الغد اشتمل على سيفه، فذهب يلعب لعبة ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه؛ فأمر به الوليد ديناراً صاحب السجن فسجنه.
بل أعجب من هذا ما أخرجه الحافظ البيهقي بإسناده في قصة طويلة، وفيها: أن امرأة تعلمت السحر من الملكين ببابل هاروت وماروت، وأنها أخذت قمحاً فقالت له -بعد أن ألقته في الأرض-: اطلع فطلع.
فقالت: احقل فأحقل.
ثم تركته ثم قالت: ايبس فيبس، ثم قالت له: اطحن، فاطحن.
ثم قالت له: اختبز فاختبز، وكانت لا تريد شيئاً إلا كان.
والأحوال الشيطانية لا تنحصر، وكفى بما يأتي به الدجال، والمعيار اتباع الكتاب والسنة ومخالفتهما].
هذه القصة كما قال هي في كتاب الأغاني لـ أبي الفرج الأصفهاني، وهو: علي بن الحسين أبو الفرج الأصفهاني الأموي صاحب كتاب الأغاني، وهو شيعي، وكان معروفاً في كتابه بذكر الأخبار وأيام الناس والشعر والغناء والمحاضرات، ويأتي فيها بأعاجيب، وكتب الأدب لا يعتمد عليها في ذكر القصص، ولكنها قصة تذكر، ذكر أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة في الكوفة، وكان أميراً للكوفة، فجعل هذا الساحر يسحر الناس، فيخيل لهم أنه يدخل في جوف البقرة ويخرج منها، وفي الواقع لا يدخل في جوفها لكن العيون مسحورة، فيضع السحر في العيون، ثم يخيل لهم أنه يدخل في جوف البقرة، ويخرج من دبرها، وهو في الواقع يمشي حولها، وبين يديها ورجليها، فاشتمل على سيفه، فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء:٣]، ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر معها، وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه، فانذعر الناس، فحبسه الوليد؛ لأنه تصرف هذا التصرف من دون إذنه، وكتب في ذلك إلى عثمان رضي الله عنه.
وكان على السجن رجل نصراني، فلما رأى جندباً يقوم الليل ويصبح صائماً، قال النصراني: والله إن قوماً هذا شرهم لقوم صدق، فوكل بالسجن رجلاً ودخل الكوفة.
يعني: إذا كان هذا محبوساً وهو من شرهم فهذا يدل على أن القوم صالحون، وكان هذا سبب إسلامه.
فسأل عن أفضل أهلها، فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه، فرأى الأشعث ينام الليل، ويصبح فيدعو بغدائه، فخرج من عنده وسأل عن أهل الكوفة: أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا: جرير بن عبد الله؛ فوجده ينام الليل ثم يصبح ويدعو بغدائه، فاستقبل القبلة فقال: ربي رب جندب، وديني دين جندب وأسلم.
يقول: هذه أخرجها البيهقي في السنن مع وجود مغايرة في القصة، فذكر بسنده الأسود: أن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيقوم صارخاً، وهذه ذكرها العلماء كما في كتاب التوحيد وفي غيره: أن الوليد كان يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل، فيدخل في البقرة ثم يصيح به -يعني: أمام الناس- فيقوم.
يعني: يخيل للناس أنه ضرب رأسه وأنه قتل، ثم يصيح به فيقوم.
فقال الناس: سبحان الله! يحيى الموتى، وهو في الواقع أنه ما ضربه لكن العيون مسحورة، ولو ضربه ما يمكن أن يكون حياً، فرآه رجل من صالحي المهاجرين، جاء أنه جندب رضي الله عنه، فلما كان من الغد اشتمل على سيفه، فجاء إلى الساحر فذهب يلعب لعبته تلك، فاخترط جندب سيفه فضرب عنقه، وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه، فأمر به الوليد دينار -وهو المسئول عن السجن- فسجنه؛ لأنه افتأت على الأمير ولم يأخذ رأيه، وتصرف هذا التصرف، وجندب أنكر المنكر؛ لأنه قادر رضي الله عنه، وصبر على السجن.
قال المؤلف رحمه الله: بل أعجب من هذا ما أخرجه الحافظ البيهقي بإسناده في قصة طويلة.
وهذه القصة ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله: أن هذه المرأة تعلمت السحر، وأنها تقول كلمات ذكرها في قول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:١٠٢].
وكما ذكر المؤلف: أن امرأة تعلمت السحر من الملكين ببابل هاروت وماروت، وصارت لا تقول شيئاً إلا حصل لها، ومن ذلك أنها أخذت