للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قاعدة في التفريق بين المشرك والموحد]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف ذلك، فإذا تبين لم تنفعه هذه الكلمة بمجردها، ولذلك لم تنفع اليهود، ولا نفعت الخوارج مع ما انضم إليها من العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم إلى جنبها، بل أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وذلك لما خالفوا بعض الشريعة، وكانوا شر قتلى تحت أديم السماء، كما ثبتت به الأحاديث.

فثبت أن مجرد كلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من قالها؛ لارتكابه ما يخالفها من عبادة غير الله تعالى].

قول المؤلف: [وهكذا] أي: هذه قاعدة: في كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف ذلك، أي: كل من أظهر التوحيد والإسلام وقال: لا إله إلا الله، فإننا نقبل منه؛ لأن علينا الحكم بالظاهر، فيجب الكف عنه، ونعتبره مسلماً، ثم بعد ذلك ننظر إن التزم بأحكام الإسلام فهو أخونا، وإن فعل ما ينقض الإسلام بعد ذلك فإنه يقتل، ويكون مرتداً، ولذلك هذه الكلمة لم تنفع اليهود، فهم يقولون: لا إله إلا الله ولم تنفعهم؛ لأنهم نقضوها بإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تنفع الخوارج مع ما انضم إليها عندهم من العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم إلى جنبها، بل أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، وذلك لما خالفوا بعض الشريعة مخالفة تدعو إلى قتلهم، وكانوا شر قتلى تحت أديم السماء، كما ثبتت به الأحاديث.

فهذا يدل على أن المؤلف يرى أن الخوارج كفار، وهذا قول لبعض أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، فشبههم بعاد، وهم قوم كفار، واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) وفي لفظ: (يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه) قالوا: فهذا دليل على كفرهم.

والخوارج يكفرون الناس بالمعاصي، فالذي فعل الكبيرة يكفر عندهم، وكذا الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه، فهؤلاء وأمثالهم كفار عندهم، فالمؤلف يرى أنهم كفار، لكن جمهور العلماء: على أنهم مبتدعة وليسوا كفاراً، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لأنهم متأولون، ولما سئل علي رضي الله عنه: أهم كفار؟ قال: من الكفر فروا.

فهم متأولون، حيث جعلوا النصوص التي في العصاة من المسلمين تدل على كفرهم، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة.

فالحاصل أن المؤلف مشى على القول بأنهم كفار، وهو قول لقلة من العلماء، وأكثر العلماء على أنهم مبتدعة؛ لأنهم متأولون.

قال المؤلف: فثبت أن مجرد النطق بكلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من قالها إن ارتكب ذلك، كعبادة غير الله.

يعني: أن من تكلم بكلمة التوحيد ثم فعل الشرك أو ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام فإن هذه الكلمة لا تعصم دمه، بل يكون كافراً بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>