قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأصل الخامس: أن العبادة أقصى باب الخضوع والتذلل، ولم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى؛ لأنه مولي أعظم النعم، وكان لذلك حقيقاً بأقصى غاية الخضوع كما في (الكشاف).
ثم إن رأس العبادة وأساسها التوحيد لله، الذي تفيده كلمته، التي إليها دعا جميع الرسل، وهي:(قول لا إله إلا الله)، والمراد اعتقاد معناها، والعمل بمقتضاها، لا مجرد قولها باللسان.
ومعناها: إفراد الله تعالى بالعبادة والإلهية، والنفي والبراءة من كل معبود دونه، وقد علم الكفار هذا المعنى؛ لأنهم أهل اللسان العربي، فقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥]].
إن أساس العبادة توحيد الله تعالى، ومن لم يوحد الله فعبادته فاسدة، وإذا دخل الشرك العبادة أفسدها، فالصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، فهذه العبادة لا تصح إلا بالتوحيد، فإذا دخل الشرك فيها فسدت وبطلت، كما أن الصلاة تصح بالطهارة، وهذا شرط في صحة الصلاة، فإذا دخل الحدث بطلت الطهارة وفسدت العبادة، وكذلك الشرك إذا دخل في التوحيد بطلت العبادة وفسدت، فتوحيد الله أساس العبادة.
يقول المؤلف:(إن العبادة: أقصى باب الخضوع والتذلل) أي: أن العبادة لا بد فيها من الخضوع والتذلل، ولا بد فيها من المحبة، وهذان الركنان لا بد منهما، بأن يخضع الإنسان، ويذل لله مع محبته وتعظيمه وإجلاله، فإذا انفرد أحدهما فلا تكون عبادة؛ لأن الإنسان قد يخضع ويذل لسلطان ظالم، وقد يخضع لعدو لا يحبه، وقد يحب شخصاً لكن لا يخضع له ولا يذل، فإذا أحبه وخضع له وذل، فهذه هي العبادة، فيصير بذلك عابداً له، بكمال المحبة وكمال الذل والخضوع، ولهذا قال المؤلف:(إن العبادة: أقصى باب الخضوع والتذلل، ولم تستعمل إلا في الخضوع لله)، أي: أن العبادة في الخضوع له، يعني: مع محبته وإجلاله وتعظيمه، فالعبادة هي المحبة مستلزمة للخوف والرجاء، فالخاضع الذليل هو: الخائف لله الراجي له؛ لأنه مولي أعظم النعم.
والعبادة أركانها ثلاثة: محبة، وخوف، ورجاء، والرجاء داخل في الخضوع والتذلل، فالخضوع والتذلل مستلزم للخوف والرجاء والمحبة، فهذه هي أركان العبادة التي ذكرت في أول سورة الفاتحة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:٢] دلالة على المحبة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:٣] دلالة على الرجاء، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٤] دلالة على الخوف.
قوله:(وكان ذلك حقيقاً بأقصى غاية الخضوع)، أي: الرب سبحانه وتعالى.