[أحكام النذور الشركية للأضرحة والمشاهد]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضرراً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه، وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل، لا في مقابلة شيء، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:١٨٨].
ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاد، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨] الآية، فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.
ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الأسلوب: يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر؛ فينذر له جزءاً من ماله، ويقاسمه في غلات أطيانه، ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه، ويوهمونه حقية عقيدته، وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم.
وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها].
مراد المؤلف: أنه يجب على المسلم أن ينكر المنكر، وأعظم المنكرات الشرك، وهذه النذور منكرات شركية، فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه، ولا يدفع عنه ضرراً.
هذا رأي المؤلف في كيفية نصح عباد القبور، ونحن نقول: بل يجب على المسلم أن ينصحه بأن فعله هذا شرك، والشرك محبط للأعمال، ولا يدخل صاحبه الجنة إن مات على ذلك، وأنه بفعله هذا يكون مرتداً عن الإسلام، وهذا قبل أن يخبره بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه.
ويعرف بأن فعله شرك، كأن يقال له: هذه النذور لغير الله، ومن نذر لغير الله فقد أشرك، ثم يبين له ثانياً: أنه مع كونه شركاً فهو أيضاً إضاعة للمال، فيقال له: كيف تأتي بمال تعبت في جمعه ثم تضعه عند قبر؟ بماذا ينفعك القبر؟ ولو كشفت عن القبر لوجدت صاحبه عظاماً بالية، فقد بلي من نذرت له وصار تراباً، فكيف تضع الأموال عنده وهذا حاله؟ لماذا ألغيت عقلك؟ ووقعت في الشرك بهذا الفعل، وأيضاً أضعت مالك.
والنذر عموماً مكروه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأت بخير، وإنما يستخرج به من مال البخيل)، ويعلّم أن هذا في حق الناذر الذي ينذر لله، ليس في حق المشرك، وكذلك حديث: (النذر لا يأت بخير) ليس في النذر الذي ينذر صاحبه بالشرك؛ لأن الذي ينذر نذراً شركياً يكون مشركاً كافراً، لكن هذا الحديث إنما هو في الناذر الذي ينذر لله.
فالنذر مكروه، بل افعل العبادة بدون نذر؛ لأنك تكلف نفسك بالنذر شيئاً قد عافاك الله منه، فالإنسان قد ينذر أن يصلي لله كذا إن شفى الله مريضه، أو ينذر بدون قيد، أو يلزم نفسه أن يصوم كذا، أو ينفق كذا من الأموال، ثم بعد ذلك يعجز، فافعل العبادة من دون نذر.
وإذا كان النذر مكروهاً أو حراماً في الطاعة فكيف بالنذر لأصحاب القبور، أو للأصنام فإنه يكون شركاً بالله.
فالذي يلاحظ كلام المؤلف يجد كأنه يقول: الواجب الإنكار على الناذر؛ لكون فعله هذا شركاً، ثم البيان له بأن هذا النذر إضاعة للمال، فلا يدفع ضرراً ولا يجلب نفعاً، وأن هذا الحديث المتقدم في الناذر الذي ينذر لله.
ثم يقول: وأما القابض للنذر فإنه يحرم عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:١٨٨]، ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك، ويعني بالراضي به هنا: الذي يقبض النذر، أو السادن الذي يكون عند القبر لقبض النذور.
يقول المؤلف: نقول لقابض النذور هذا مال حرام، ثم نقول له: إن هذا تقرير للشرك، والأولى أن يقدم المؤلف الثاني، أي: الأولى أن نقول له: كونك الآن تقبض النذور فعلك هذا إقرار للشرك، ومن أقر الشرك ورضي به فهو مشرك، ثم نقول له: إنك ستأكل مالاً حراماً وسحتاً، فالمؤلف قدم الأول وهو معصية على الثاني وهو شرك، وكان الأولى به أن يقدم الثاني.
ثم يقول: فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.
أما حلوان الكاهن فهو: أجرته على الكهانة، وأما مهر البغي -وهي الزانية- فهو أجرتها على الزنا، والكل حرام، فكذلك هذه النذور حرام.
ثم قال المؤلف: ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره.
فإذا قبض النذر وسكت أوهم الناذر أن الولي ينفع ويضر، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟ يقول: هذا القبض إقرار للشرك، وهو أعظم المنكرات وهو تدليس وإيهام للناذر بأنه على حق، وأن ما فعله ينفعه، وأي رضى أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟ يقول: وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الحال، فما يفعله عباد القبور مثلما يفعله أصحاب الأصنام والأوثان؛ لأن الناذر يعتقد في الصنم جلب النفع ودفع الضرر، فيجلب لهم نفعاً، كظنهم أنه -أي: صاحب القبر- يشفع لهم عند الله، ويقضي حوائجهم عنده، فينذر له جزوراً من ماله، وهكذا عباد الأصنام، وكذلك عابد القبر ينذر لسيده جزوراً، كما يذبح المسلمون لربهم الأضحية، ويقاسمه في غلات مزرعته، ويأتي به إلى هؤلاء السدنة فيقبضون منه النذر ويوهمونه حقيقة عقيدته، وكذلك يأتي ببحيرته، والبحيرة: هي الناقة التي تلد خمسة بطون آخرها ذكراً، فيشقون منها الأذن، ويمنعون ركوبها وذبحها، ويتركونها للأصنام فينحرونها لهم، فالخلاصة: أن ما يفعله عباد القبور هو مثلما يفعله عباد الأصنام، وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها وقتال أهلها؛ لأنها أفعال شركية.