المثال الأول: بنو حنيفة، وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون، لكنهم قالوا: إن مسيلمة نبي، وكان لهم محلة يقال لها محلة بني حنيفة في الكوفة، فجاءوا للجهاد يقاتلون من ناوءهم، ثم مر بهم بعض الصحابة فسمعهم يقولون: مسيلمة نبي، فأجمع الصحابة على قتالهم وكفرهم بسبب هذه الكلمة؛ لأنها نقضت التوحيد، ألا ترى أن بني حنيفة كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون، ولكنهم قالوا إن مسيلمة نبي، فقاتلهم الصحابة وسبوهم، فكيف بمن يجعل للولي خاصة يدعوه من دون الله هذا لا شك في كفره؛ لأنه إذا كان الذي يجعل مسيلمة في رتبة النبي يكفر فالذي يجعل الولي في رتبة الله أشد كفراً.
والمثال الثاني: إحراق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحاب عبد الله بن سبأ، وكانوا يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكن غلوا في علي رضي الله عنه، واعتقدوا فيه ما يعتقد القبوريون وأشباههم، فعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً من العصاة، فإنه حفر لهم الحفائر، وأجج لهم ناراً وألقاهم فيها.
هؤلاء هم السبئيون الذين تعلموا العلم من الصحابة، وكانوا يصلون ويصومون ويتعبدون، لكن غلوا في علي رضي الله عنه، وزعموا: أنه إله، فعند ذلك حفر لهم الحفائر في الأرض، وأجج فيها ناراً ثم ألقاهم فيها، وقال هذه الأبيات: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا وقنبر هو مولى لـ علي رضي الله عنه، وقال الشاعر: لترم بي المنية حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين إذا ما أججوا فيهن ناراً رأيت الموت نقداً غير دين.
أي: رأيت الموت شيئاً حاضراً، والقصة في فتح الباري وغيره من كتب الحديث والسير.
وقول المؤلف: وقد وقع إجماع الأئمة على أن من أنكر البعث كفر وقتل، ولو قال: لا إله إلا الله، فكيف بمن يجعل لله نداً؟ أي: أجمع العلماء على أن من أنكر البعث يكفر، ولو كان يقول: لا إله إلا الله؛ لأنه فعل ناقضاً من نواقض الإسلام، وأنكر أصلاً من أصول الإيمان، فكيف بمن يجعل لله نداً؟ أي: إذا كان الذي ينكر البعث كافراً، فالذي يجعل لله نداً يدعوه من دون الله أشد كفراً.