[إفراد الله بالعبادة وحده]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد:١٤]، وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣].
أي: من شرائط الصدق في الإيمان بالله، ألا يتوكلوا إلا عليه، وأن يفردوه بالتوكل، كما يجب أن يفردوه بالدعاء والاستغفار].
قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد:١٤] يعني: لا يمكن لأي مخلوق من دون الله أن يستجيب لهم، وإذا كان لا يستجيب لهم، فكيف يُعبد؟ إذاً لا يستحق العبادة.
وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣] يعني: توكلوا على الله إن كنتم مؤمنين، فجعل من شرط الإيمان التوكل على الله، والتوكل يجمع أمرين: فعل الأسباب النافعة، ثم تفويض الأمر إلى الله، والاعتماد عليه في حصول النتيجة، وتقديم الجار والمجرور دليل على أنه شرط في صحة الإيمان، ولهذا قال المؤلف: (أي من شرط الصدق في الإيمان ألا يتوكلوا إلا عليه، وأن يفردوه بالتوكل، كما يجب أن يفردوه بالدعاء والاستغفار).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأمر الله عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥]، ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلا كان كاذباً منهياً عن أن يقول هذه الكلمة؛ إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد، وهو معنى قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:٥٦] و: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:٤١]، كما عرف من علم البيان، أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي: لا تعبدوا إلا الله، ولا تعبدوا غيره، ولا تتقوا إلا الله، ولا تتقوا غيره، كما في (الكشاف)].
قوله: (وأمر الله عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] يعني: نخصك يا الله! بالعبادة، فمعناها هو معنى: لا إله إلا الله، وهذا مستفاد من تقديم الضمير، ولهذا لو لم يقدم الضمير الخاص بـ (نعبده) فإنها لا تفيد التوحيد؛ لأن التوحيد لابد فيه من أمرين: نفي، وإثبات، فالنفي قول: (لا إله)، والإثبات: (إلا الله)، وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] يفيد النفي والإثبات، يفيد هذا من تقديم الضمير {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] والمعنى: نعبدك ولا نعبد غيرك، أو نخصك بالعبادة، وهذا مستفاد من تقديم الضمير، ولهذا قال المؤلف: (لا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله) يعني: لا يصدق من قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] وهو مشرك، لأن المشرك لا يكون صادقاً، وإنما يكون كاذباً، ولا يكون صادقاً إلا إذا أفرد الله بالعبادة، ولهذا قال: (وإلا كان كاذباً منهياً عن أن يقول هذه الكلمة).
إذ كيف يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] وهو مشرك بالله؟ إذاً: معنى الآية: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:٥٦]، وقوله: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:٤١] يعني: اعبدوني ولا تعبدوا غيري، وخصوني بالعبادة والتقوى.
وقول المؤلف: (كما عرف من علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر) يعني: أن الأصل أن نقول: نعبدك، فلما قدم (إياك) وهو حقه التأخير أفاد الحصر، والمعنى: نحصر العبادة لله عز وجل، وحصر العبادة معناه: أن يخص الله بالعبادة.
أي: لا تعبدوا إلا الله، ولا تتقوا غيره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له، والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستغاثة والاستعانة بالله وحده، واللجأ إلى الله، والنذر والنحر له تعالى، وجميع أنواع العبادات: من الخضوع والقيام تذللاً لله تعالى، والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل].
يعني: أن إفراد الله بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يُخص سبحانه بجميع أنواع العبادات، فلا يكون الدعاء إلا لله، ولا يكون النداء في الشدائد والرخاء إلا لله، ولا تكون الاستعانة إلا بالله، واللجأ يكون لله، والنذر والنحر وجميع أنواع العبادات: من الخضوع والقيام تذللاً، والركوع والسجود، والطواف والتجرد عن الثياب، يعني: في الإحرام، فالمحرم إذا أحرم بحج أو عمرة تجرد من المخيط، ولبس إزاراً ورداء، والحلق والتقصير، كله يكون لله، والحلق والتقصير يكون في الحج والعمرة، فالحاج أو المعتمر يحلق رأسه ويقصر عبادة، فيتحلل بذلك من العمرة أو الحج، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا لله عز وجل.