قال رحمه الله تعالى:[فإن قلت: إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله.
قلت: كذلك الأصنام قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها، والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان، فإن كان هذا دليلاً على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها فليكن دليلاً على حقية الأصنام، وهذا هدم للإسلام، وتشييد لأركان الأصنام، والتحقيق: أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد، وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان، والوسوسة في الصدور، والتقام القلب بخرطومه؛ فكذلك يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام، ومثله يصنعه في أهل عقائد القبوريين، فإن الله تعالى قد أذن له أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم، وأن يشاركهم في الأموال والأولاد، وثبت في الأحاديث أن الشيطان يسترق السمع بالأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان، وهم الذين يخبرون بالمغيبات، ويزيدون فيما يلقيه الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة، ويقصد شياطين الجن وشياطين الإنس من سدنة القبور وغيرهم، فيقولون: إن الولي فعل وفعل، يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه، وترى العامة -ملوك الأقطار وولاة الأمصار- معززين لذلك، ويولون العمال لقبض النذور، وقد يتولاها من يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي، فيتم التدليس لإبليس وتقر عينه بهذا التلبيس].
وهذه شبهة من سلسلة الشبهات التي أوردها المؤلف وأجاب عنها.
فقال: فإن قلت: إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله.
معناه: أن الذي ينذر لأصحاب القبور قد يجد نفعاً، فأحياناً ينذر له ليرد غائبه فيأتي الغائب ويرده الله، وأحياناً يدفع النذر ليشفى مريضه فيشفى مريضه بإذن الله، فإذا حصل له هذا ظن الناذر حقية هذا الفعل؛ لكونه جلب له نفعاً، فأجاب المؤلف بقوله: إن هذه الشبهة هي شبهة عباد الأصنام.
ويقال أيضاً: إن كون الناذر الذي نذر لصاحب القبر أو للصنم قد شفى الله مريضه أو رد غائبه هذا من باب الابتلاء والامتحان لهذا الناذر بأن وافق القدر بالشفاء وقت النذر، فظن هذا الذي نذر للقبر أن الشفاء بسبب النذر، وكذلك الذي رد الله غائبه وافق القدر، أي: قدر الله أن يرد هذا الغائب في هذا الوقت، فظن الناذر للقبر أنه بسبب نذره، مع أن الأمر قضاء وقدر.
ويقول المؤلف: إذا قلت: إن الناذر قد يدرك له بعض النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله.
قلت: كذلك الأصنام قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها، والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان! فإن كان هذا دليلاً على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها؛ فليكن دليلاً على حقية الأصنام، وهذا هدم للإسلام، وتشييد لأركان الأصنام.
كأن المؤلف رحمه الله يقول: إذا قلتم إن الذي ينذر لصاحب القبر يجد بعض النفع ويدفع عنه بعض دفع الضرر فكذلك عباد الأصنام ينتفعون منه، أي: من النذر للأصنام، كدخول الشياطين في جوفها ومخاطبتها الناس، وإن سألوا تجيبهم وتستجيب لمطالبهم، فهذا نفع، وقد كانوا يسمعون من العزى صوتاً؛ لأن الشيطان داخل فيها ويخاطبهم، ويغري الناس بالشرك، ويقول: افعل كذا، وسأفعل كذا، وسأقضي لك كذا، فلا يكون مجرد النفع دليلاً على صحة عبادتها، وكذلك القبور.