للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتقاد المشركين أن الأصنام والأوثان تقربهم إلى الله زلفى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبهذا تعرف أن المشركين لم يتخذوا الأصنام والأوثان ولم يعبدوها، ولم يتخذوا المسيح وأمه، ولم يتخذوا الملائكة شركاء لله تعالى؛ لأجل أنهم أشركوهم في خلق السموات والأرض، بل اتخذوهم لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى كما قالوه، فهم مقرون بالله تعالى في نفس كلمات كفرهم، وأنهم شفعاء عند الله، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨] فجعل الله تعالى اتخاذهم للشفعاء شركاً، ونزه نفسه عنه، لأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فكيف يثبتون شفعاء لهم لم يأذن الله لهم في شفاعة، ولا هم أهل لها، ولا يغنون عنهم من الله شيئاً؟].

قوله: (وبهذا تعرف أن المشركين لم يتخذوا الأصنام والأوثان ولم يعبدوها، ولم يتخذوا المسيح وأمه، ولم يتخذوا الملائكة شركاء لله تعالى؛ لأجل أنهم أشركوه في خلق السموات والأرض، بل اتخذوهم لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى) وهذا كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم، وبهذا تعرف أن المشركين لم يتخذوا الأصنام والأوثان ولم يعبدوها مثلما ما عبدوا اللات والعزى، واللات كان رجلاً صالحاً، وكان يلت السويق للحجيج، أو هي: الصخرة التي يلت عليها، وكذلك من الأشجار العزى، وكذلك مناة، وهي: جذع كانت على الساحل، فهذه الأصنام والأوثان، وكذلك من عبد المسيح عليه السلام، ومن عبد أمه، وكذلك من عبد الملائكة، ما فعلوا هذا لأنهم يعتقدون أنهم شركاء لله في خلق السموات والأرض، فالذين عبدوا الأصنام، والذين عبدوا الأوثان، والذين اتخذوا المسيح وأمه، والذين اتخذوا الملائكة، كلهم لم يتخذوهم في أنهم شركاء لله في خلق السموات والأرض، بل اتخذوهم لاعتقادهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، كما أخبر الله في أول سورة الزمر، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} [الزمر:٣] على تقدير: قائلين {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] فقط، فهم يعتقدون أنهم لا يخلقون ولا يرزقون ولا يميتون ولا يحيون، ولا ينفعون ولا يضرون، ولكنهم عبدوهم، وذبحوا لهم، ونذروا لهم، ودعوهم من دون الله، وركعوا لهم، وسجدوا لهم؛ لاعتقادهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، فكذبهم الله في أنهم يقربونهم إلى الله، بل يبعدونهم عن الله، وحكم بكفرهم بهذا العمل {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر:٣].

وفي الآية الأخرى: أخبر أنهم فعلوا ذلك لأنهم يرجون شفاعتهم، أي: حتى يشفعوا لهم عند الله.

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨] فرد الله عليهم فقال: ليسوا شفعاء، فالله تعالى لا يعلم أن له شريكاً، وهل تنبئون الله بشيء لا يعلمه، وهو لا يعلم أن له شريكاً في السموات والأرض، ثم حكم عليهم بالشرك فقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨].

والمؤلف رحمه الله قد بين ما بينه القرآن الكريم، قال: (لم يتخذوا المسيح وأمه، ولم يتخذوا الملائكة شركاء لله تعالى، لأنهم أشركوهم في خلق السموات والأرض، بل اتخذوهم لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى، كما قالوه، فهم مقرون بالله في نفس كلمات كفرهم، وأنهم شفعاء عند الله) أي: في نفس الكلمات الكفرية هم مقرون بالله، يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [الزمر:٣] إذاً: أقروا بالله، وهذا هو توحيد الربوبية في نفس الكلمات الشركية، ولكن لا يكفي هذا لدخولهم في الإسلام، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨].

فجعل الله تعالى اتخاذهم للشفعاء شركاً {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨] فهو شرك حينما يدعونهم ويذبحون لهم وينذرون لهم، ويزعمون أنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله، فهذا جعله الله شركاً وكفراً، ونزه سبحانه نفسه عنه، فقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨] فقد حكم عليهم بالشرك، ونزه نفسه عنه؛ لأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وهو سبحانه لا يأذن أن يكون له شريك في العبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>