وقوله:(ثم إن رأس العبادة وأساسها التوحيد لله) أي: أن توحيد الله هو رأسها وأساسها، بل ولا تصح العبادة إلا بالتوحيد (الذي تفيده كلمته التي إليها دعا جميع الرسل، وهي: (قول لا إله إلا الله)، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، والإله هو المعبود، و (لا): نافية للجنس، تنصب الاسم وترفع الخبر، وإله: اسمها، والخبر محذوف تقديره: لا إله حق إلا الله، لا معبود حق إلا الله، والمراد كما يقول المؤلف: هو: (اعتقاد معناها، والعمل بمقتضاها، لا مجرد قولها باللسان)، أي: لا يكفي النطق باللسان، بل لا بد أن تعرف معناها، وأنها مشتملة على نفي وإثبات.
فلا إله: نفي، إلا الله: إثبات، والشيء الذي تنفيه: جميع أنواع العبادة تنفيها عن غير الله، والشيء الذي تثبته: جميع أنواع العبادة تثبتها لله، والقول بـ (لا إله) براءة من الشرك، وكفر بالطاغوت.
و (إلا الله) إيمان بالله.
وعليه فلا بد من أمرين: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، ولا يوجد توحيد إلا بأمرين: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، قال الله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة:٢٥٦] وكلمة التوحيد مشتملة على كفر وإيمان، ولا يوجد توحيد إلا بأمرين: نفي، وإثبات، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة:٥] أي: نعبدك ولا نعبد غيرك، وقولك:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة:٥] تساوي معنى (لا إله إلا الله)؛ لأن تقديم الظرف يفيد الاختصاص، فليس هناك عبادة إلا بأمرين: نفي، وإثبات، كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، فـ (لا إله) براءة من كل معبود سوى الله، براءة من الطاغوت، وكفر به أياً كان، (إلا الله): إثبات العبادة بجميع أنواعها لله، ولا بد من العمل بمقتضاها، ومقتضاها: أن تلتزم الأوامر وتجتنب النواهي، ولا بد من الإخلاص، أي: أن كلمة التوحيد لابد لها من شروط، لا بد أن تعرف معناها، ولا بد من الإخلاص المنافي للشرك، ولا بد من الصدق المانع من النفاق، ولا بد من الانقياد بحقوقها، وهي فعل الواجبات وترك المحرمات، وهذا هو العمل بمقتضاها، ولا بد من القبول لها المنافي للترك، ولا يكفي مجرد قولها باللسان.
قوله:(ومعناها: إفراد الله تعالى بالعبادة والإلهية) كما سبق، والنفي هو: البراءة من كل معبود دونه كما سبق، وهذا في صدر الكلمة (لا إله)، وإفراد الله بالعبادة والإلهية هذا في عجزها (إلا الله).
قوله:(وقد علم الكفار هذا المعنى؛ لأنهم أهل اللسان العربي)، ولذلك لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة التوحيد (قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥]) وقد سبق أن ذكرنا أن أبا جهل نفض يديه ونكص على عقبيه، وقال:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥].