للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتبيَّن أن الشافعي يقدِّم قول الصحابي الذي لايُعلَم له مخالف - سواءٌ اشتهر أو لم يشتهر - على العمل بالقياس.

وذكر ابن القيم أن الأصول التي بنى عليها الإمام أحمد فتاويه خمسة وهي: (١)

أحدها: النصوص، فإذا وجد النصُّ أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه , ولا مَنْ خالفه كائناً من كان.

الثاني: ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وُجِد لبعضهم فتوى لا يُعرَف له مخالفٌ منهم فيها لم يَعْدُها إلى غيرها.

الثالث: إذا اختلف الصحابة تخيَّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسُّنَّة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبيَّن له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها, ولم يجزم بقول.

الرابع: الأخذ بالمُرْسَل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه، وهو الذي رجَّحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ,ولا المنكر, ولا ما في روايته متَّهَم, بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به؛ بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح, وقسمٌ من أقسام الحَسَن، ولم يكن يقسِّم الحديث إلى صحيحٍ وحسَن وضعيف، بل إلى صحيحٍ وضعيف، والضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قولَ صاحب، ولا إجماعَ على خلافه, كان العمل به عنده أولى من القياس.

الخامس: القياس , فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نصٌّ ولا قول الصحابة, أو واحدٌ منهم , ولا أثرٌ مُرْسَل , أو ضعيف , عَدَلَ إلى القياس.

وبهذا يتبيَّن أن الإمام أحمد كذلك يقدِّم قولَ الصحابي الذي لم يُعلَم له مخالف

-سواء اشتهر أو لم يشتهر- على القياس.

وإن عضده القياس ولو كان ضعيفاً فأولى أن يؤخذ به حتى عند القائلين بعدم حجِّية قول الصحابي (٢).


(١) ينظر: إعلام الموقعين (٢/ ٥٠ - ٦٠).
(٢) ينظر: الفقيه والمتفقه (١/ ٥٢٥).

<<  <   >  >>