للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ريحٍ، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها ومنها" (١).

ويمكن إبراز أوجه تطبيق الاجتهاد في المناط على هذه المسألة فيما يأتي:

أولاً: المناط الذي علَّق الشارع به حُكْم طهورية الماء هو أن يبقى الماء على أصل خلقته لم يتغيَّر طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسة , فإذا تغيَّر لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسةٍ صار نجساً, وقد ثبت هذا المناط بمسلك الإجماع.

قال ابن المنذر (٢): "أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيَّرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحةً أنه نجسٌ ما دام كذلك" (٣).

وقال ابن حزم: " واتفقوا على أن الماء الذي حلَّت فيه نجاسةٌ فأحالت لونه أو طعمه فإنَّ شُربَه لغير ضرورةٍ والطهارة به على كلِّ حالٍ لايجوز" (٤).

وعلى هذا فالحُكْم على الماء بالطهارة أو النجاسة يدور مع الوصف الذي علَّق به الشارع ذلك الحُكْم وجوداً وعدماً، فإن بقي الماء على أصل خلقته لم يتغيَّر طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسةٍ وقعت فيه فهو طاهر , وإن تغيَّرت أحد أوصافه بنجاسةٍ فهو نجس.

ثانياً: لمَّا ثبت مناط الحُكْم في طهورية الماء ونجاسته بمسلك الإجماع اجتهد فقهاء العصر في تحقيق ذلك المناط في مياه الصرف الصحي.

وانبنى على ذلك: القولُ بأن مياه الصرف الصحي قبل المعالجة تُعتَبَر


(١) أبحاث هيئة كبار العلماء: (٦/ ٢١٦ - ٢١٧).
(٢) هو: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، فقيهٌ مجتهدٌ من الحفاظ، كان شيخ الحرم بمكة، من مؤلفاته: الإجماع (ط)، والإقناع (ط)، والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (ط)، وغيرها، توفي سنة (٣١٩ هـ).
ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٩٠)، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٢/ ١٢٦)، الأعلام للزركلي (٥/ ٢٩٤).
(٣) الإجماع: (٣٥).
(٤) مراتب الإجماع: (١/ ١٩).

<<  <   >  >>