هذا حلالٌ وهذا حرامٌ بلا علم , وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم , وهذا لا يجوز, ومن اعتقد من العلماء أن هذا المشترك مناط الحُكْم فهو بمنزلة من اعتقد صحة مذهب لم يكن صحيحاً , أو دلالةَ لفظٍ على معنىً لم يُرِده الرسول , وهذا اجتهادٌ يثابون عليه , ولا يلزم أن يكون قولاً بحُجَّةٍ شرعيَّةٍ يجب على المسلم اتباعها (١).
٢ - إن القياس إنما يصح إذا لم يدل كلام الشارع على عِلَّة الحُكْم إذا سبرنا أوصاف الأصل فلم يكن فيها ما يصلح للعِلَّة إلا الوصف المعين , وحيث أثبتنا عِلَّة الأصل بالمناسبة أو الدوران فلا بد من السَّبر, فإذا كان في الأصل وصفان مناسبان لم يجز أن يقول الحُكْم بهذا دون هذا , ومعلومٌ أن النصَّ والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب, والجماع , والحيض , والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المتوضِئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائماً , وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم , وهو قياسٌ ضعيف , وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه , فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفَمِه , ويغذِّي بدَنَه من ذلك الماء, ويزول العطش , ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء , فلو لم يَرِد النصُّ بذلك لعُلِم بالعقل أن هذا من جنس الشرب , فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم , وذلك غير معتبر , بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر , فليس هو مُفَطِراً ولا جزءاً من المُفَطِر؛ لعدم تأثيره , بل هو طريقٌ إلى الفِطر , وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة؛ فإن الكحل لا يغذِّي ألبتة , ولا يُدخِل أحدٌ كحلاً إلى جوفه لا من أنفه ولا فمه ,كذلك الحقنة لا تغذِّي بل تستفرغ ما في البدن , كما لو شمَّ شيئاً من المُسَهِلات , أو فزع فزعاً أوجب استطلاق جوفه , وهي لا تصل إلى المعدة , والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه. . . فالصائم نُهِيَ عن الأكل والشرب لأن ذلك سبب التقوي , فترك الأكل والشرب الذي يولِّد الدم الكثير
(١) ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: (٢٥/ ٢٤٢ - ٢٤٣).