للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {قليلاً}: القلة هنا تتناول الزمان، وتتناول عين الممتَّع به؛ فالزمن قصير: مهما طال بالإنسان العمر فهو قليل؛ قال الله عزّ وجلّ: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: ٣٥]؛ كذلك عين الممتع به قليل؛ كل ما يحصل للإنسان من هذه الدنيا من اللذة، والمتاع قليل بالنسبة للآخرة، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لموضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها» (١)؛ ومع قلته فهو مشوب بكدر سابق، ولاحق، كما قال الشاعر:

(فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسَرُّ) ويقول الآخر:

(لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم)

وإذا شئت أن تعرف حقيقة الأمر فقس ما بقي من حياتك بما مضى؛ الآن كلنا يعرف أننا خلفنا أياماً كثيرة؛ فما خلفنا بالأمس كأنه لا شيء؛ نحن الآن في الوقت الذي نحن فيه؛ وأما ما مضى فكأنه لم يكن؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً الدنيا: «إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها» (٢): إنسان اطمأن قليلاً تحت ظل شجرة، ثم ارتحل! هذه الدنيا كلها.


(١) سبق تخريجه ١/ ٢٥٨.
(٢) أخرجه أحمد ج ١/ ٤٤١، حديث رقم ٤٢٠٧؛ وأخرجه الترمذي ص ١٨٩٠، كتاب الزهد، باب ٤٤: حديث: "ما الدنيا إلا كراكب استظل"، حديث رقم ٢٣٧٧، وأخرجه ابن ماجة ص ٢٧٢٧، كتاب الزهد، باب ٣: مثل الدنيا، حديث رقم ٤١٠٩، واللفظ لأحمد؛ وقال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح ٢/ ٢٨٠ حديث رقم ١٩٣٦.